إلفيس بريسلي.. رحلة البحث عن الحقيقة وفقدها

في الثامن من يناير/ كانون الثاني عام 1935، وُلد أحد أبرز وأشهر الشخصيات في عالم الموسيقى والترفيه، إلفيس بريسلي، في مدينة توبيلو بولاية مسيسيبي، في عائلة بسيطة، والده كان عامل بناء ووالدته ربة منزل.

وبالرغم من الظروف المالية الصعبة، كان والداه من أبرز الداعمين لموهبته منذ صغره.

اكتسب إلفيس حبه للموسيقى من الكنيسة المحلية، حيث كان يستمتع بالاستماع إلى الأناشيد الدينية والترانيم.

في سن العاشرة، حصل إلفيس على أول “جيتار” له، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلته الموسيقية.

عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، انتقلت عائلته إلى ممفيس بولاية تينيسي، وهي الخطوة التي غيرت حياته إلى الأبد.

ممفيس كانت في ذلك الوقت مركزاً للموسيقى، وكانت المدينة مليئة بالأنغام الجنوبية والإيقاعات الفريدة.

هناك بدأ إلفيس في امتصاص الموسيقى من حوله، مزجاً بين الجاز، البلوز، والكانتري ليخلق أسلوبه الفريد.

في عام 1954، كانت نقطة التحول في حياة إلفيس عندما تم تسجيل أولى أغنياته في “استوديوهات Sun Records” تحت إشراف سام فيليبس.

كانت الأغنية “That’s All Right” التي أطلقته إلى الشهرة، إلفيس بريسلي لم يكن مجرد مغن، بل كان ظاهرة حية تجسد مزيجاً من الأساليب الموسيقية المختلفة.

كان صوته العميق وأسلوبه الحيوي على المسرح يجذب الجميع، ومع توالي النجاحات، أصبح إلفيس بريسلي الوجه الجديد للموسيقى الأمريكية.

أغنياته مثل “Heartbreak Hotel”، و”Hound Dog”، و”Jailhouse Rock” أصبحت أيقونات موسيقية لا تزال تُسمع وتُعشق حتى اليوم.

البحث عن المعنى

لم يكن إلفيس بريسلي “ملك الروك آند رول”، مجرد مغن أسطوري، بل كان شخصية معقدة تحمل في طياتها العديد من التناقضات الفلسفية والروحية.

حياته مليئة بالتأملات والبحث عن المعنى، وهو ما انعكس بوضوح في أعماله الفنية، وعلاقاته الشخصية، وحتى في طريقة تعامله مع الشهرة والنجاح.

كان إلفيس بريسلي متأثرًا بفلسفات وتيارات روحية. رغم أنه نشأ في بيئة بروتستانتية تقليدية، إلا أنه كان مفتونًا بالفكر الشرقي، الروحية، والميتافيزيقا.

كانت لديه مكتبة ضخمة تحتوي على كتب حول التصوف الشرقي، البوذية، والهندوسية، وقد أبدى اهتمامًا خاصًا بالعقائد الروحية التي تتناول الخلاص والبحث عن الذات.

إلفيس كان يبحث دائمًا عن إجابات للأسئلة الكبيرة في الحياة، مثل معنى الحياة، الموت، والوجود. هذه الأسئلة شكلت جزءًا كبيرًا من حياته الداخلية، حيث كان غالبًا ما يتأمل في القضايا الروحية والمفاهيم الفلسفية المتعلقة بالقدر والقدرية.

كان يشعر بالفراغ الروحي

تأثرت حياة إلفيس بريسلي بشكل كبير بهذه الفلسفات المتنوعة، على الرغم من أنه كان يعيش حياة مليئة بالشهرة والنجاح، إلا أنه كان يشعر دائمًا بنوع من الفراغ الروحي.

كان يبحث عن السكينة والراحة النفسية من خلال التأمل والبحث عن الحقيقة.

هذه الفلسفة أدت به إلى تبني نمط حياة متناقض، حيث كان في بعض الأحيان يتبع أسلوب حياة مَلِيء بالبذخ، بينما كان في أوقات أخرى يبحث عن البساطة والزهد.

كان لديه إيمان قوي بالقدر، وكان يعتقد أن كل شيء يحدث لسبب. هذه النظرة القدرية كانت بمثابة وسيلة له للتعامل مع الضغوط الهائلة التي كانت تفرضها عليه حياته المهنية.

لكنه في نفس الوقت، كان يعاني من صراع داخلي، حيث كان يشعر بأن الشهرة قد أبعدته عن البساطة الروحية التي كان يسعى إليها.

رحلته الروحية

لم تكن أغاني بريسلي فقط تعبيرًا عن الحب والرومانسية، بل كانت أيضًا محاولة للتعبير عن رحلته الروحية. بعض أغانيه كانت تحمل طابعًا تأمليًا، حيث كان يتناول فيها مواضيع مثل القدر، الفناء، والمعنى الأعمق للحياة.

في أغنياته، كان يحاول التوفيق بين العالم المادي والعالم الروحي.

كان يسعى من خلال الموسيقى إلى التعبير عن هذا الصراع الداخلي، والبحث عن إجابات للأسئلة الفلسفية العميقة التي كانت تؤرقه.

في بعض الأحيان، كانت أغانيه تعبر عن التفاؤل والأمل، بينما كانت في أوقات أخرى تعكس شعوره بالضياع والحيرة.

كان يبحث دائمًا عن الحب الحقيقي، لكن كان يشعر في نفس الوقت بالخوف من فقدانه. هذا الصراع الروحي كان يظهر بوضوح في علاقاته العاطفية، حيث كان يتأرجح بين الرغبة في الاستقرار والخوف من الالتزام.

الهروب إلى الحب

كان بريسلي يعتقد أن الحب يمكن أن يكون وسيلة للخلاص الروحي، لكنه كان يشعر أيضًا بأن الحب يمكن أن يكون مصدرًا للألم والمعاناة.

هذا التناقض بين الرغبة في الحب والخوف منه كان يؤثر بشكل كبير على علاقاته العاطفية، حيث كان يجد صعوبة في الحفاظ على علاقة مستقرة.

في بعض الأحيان، كان يلجأ إلى الروحانية كوسيلة للهروب من الألم العاطفي، وفي أوقات أخرى كان يسعى إلى الحب كوسيلة للبحث عن السعادة والرضا.

لكن في نهاية المطاف، كانت علاقاته العاطفية تعكس نفس التناقضات التي كانت تؤرقه طوال حياته.

كان معروفاً بعلاقاته العاطفية المتعددة، ومن أشهرها علاقته مع بريسيلا بريسلي التي تزوجها في عام 1967. كانت بريسيلا المرأة التي أسرته، وكان زواجهما حديث الصحف والمجلات لفترة طويلة. رزقا بابنتهما الوحيدة، ليزا ماري بريسلي، التي أصبحت فيما بعد مغنية مشهورة هي الأخرى.

لكن بالرغم من هذا الحب، تدهورت علاقته مع بريسيلا بسبب أسلوب حياته غير المستقر، مما أدى في النهاية إلى طلاقهما في عام 1973.

من الأشياء التي لا يعرفها الكثيرون عن إلفيس بريسلي هو تعلقه العميق بوالدته، غلاديس. كان يعتبرها أقرب الناس إليه، وكانت وفاتها في عام 1958 ضربة قاسية له، لم يتعافَ منها بالكامل أبداً. وأما دائرة الأصدقاء المقربين فكانت ضيقة وقد أطلق عليهم “المجموعة الملكية”.

كانت هذه المجموعة تضم بعضاً من أكثر الناس وفاءً في حياته، وكانوا يرافقونه في رحلاته وجولاته الموسيقية. كان إلفيس معروفاً أيضاً بكرمه الشديد، حيث كان يقدم هدايا فاخرة لأصدقائه، بما في ذلك السيارات والمجوهرات.

وعلى الرغم من شهرته الواسعة، كان إلفيس دائماً يشعر بالوحدة فكان يبحث دائمًا عن السلام الداخلي والراحة الروحية، فالفلسفة الروحية التي كان يعتنقها كانت سببًا في تألقه الفني وشهرته العالمية، لكنها كانت أيضًا سببًا في صراعه الداخلي والشعور بالضياع. هذه الفلسفة كانت تمثل رحلة طويلة ومستمرة للبحث عن الذات، الحقيقة، والخلاص الروحي.