ماكرون وأتال.. طموح «الحليف» يهز معسكر الرئيس

في السياسة، يحرك الطموح أوتار اللعبة، ويحول الحليف إلى خصم، ويخلق اضطرابات في معسكرات هادئة. وفرنسا ليست استثناء عن القاعدة.

إذ ألمحت نظرة الذهول التي ارتسمت على وجه غابرييل أتال عندما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن خطط للدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية في يونيو/حزيران، والتي التقطها المصور الشخصي للرئيس، إلى اضطرابات مقبلة.

وقبل بضعة أشهر فقط، كان ماكرون قد وضع ثقته في أتال، مما جعله أصغر رئيس وزراء في تاريخ فرنسا.

لكن قرار الرئيس المفاجئ، الذي اتخذه في أعقاب الانتصار الساحق الذي حققه “التجمع الوطني” (أقصى اليمين) بالانتخابات الأوروبية، كان يعني أن فترة تولي أتال البالغ من العمر 35 عاما، رئاسة الوزراء، من المرجح أن تكون قصيرة في ظل عدم وجود أمل كبير في فوز الائتلاف الوسطي للحكومة المنتهية ولايتها.

وعندها قرر أتال أن يتولى زمام الأمور بنفسه. وقال في أعقاب الانتخابات المبكرة: ”لم أختر حل البرلمان – لكنني رفضت أن أبقى مكتوف الأيدي“.

نجاح

وخلال الحملة الانتخابية، نجح رئيس الوزراء المنتهية ولايته في ملء فراغ في السلطة. إذ اختار النواب الذين شعروا بالإحباط بسبب قرار الرئيس الذي بدا منفردا، على ما يبدو بالدعوة إلى انتخابات جديدة، وصنع تكتلا داخل التحالف الحاكم.

ومع حصول المعسكر الرئاسي بقيادة أتال على نتيجة أفضل من المتوقع في الانتخابات المبكرة، يمكن لرئيس الوزراء أن يهيئ نفسه للمستقبل، متحررًا من سلطة ماكرون كما يقول مراقبون. 

وعلى الرغم من خسارة ما يقرب من ثلث مقاعده في الجمعية الوطنية، تمكن تحالف الوسط من احتلال المركز الثاني خلف تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، ولكن متقدمًا على التجمع الوطني الذي توقع مستطلعو الرأي فوزه بالاقتراع.

ومع وجود مجلس تشريعي منقسم، يمكن لقوى الوسط أن تلعب دورًا رئيسيًا في حكم البلاد على الرغم من هزيمتها الانتخابية.

وفي أعقاب هذا النجاح الجزئي الذي انتزعه من بين فكي الهزيمة، اغتنم أتال الفرصة وسيطر على مجموعة الوسط الرئيسية في البرلمان، ضد رغبة الرئيس، وفق تقرير طالعته “” في مجلة “بوليتيكو” الأمريكية.

وفي الوقت الحالي، يضع الرجل البالغ من العمر 35 عامًا عينيه على السيطرة على حزب الرئيس أيضًا، مما يضعه مرة أخرى على مسار تصادمي مع ماكرون – الرجل الذي وصفه ذات مرة بأنه ”يشبه أخي الصغير“.

من ماكرون “مٌصغر” إلى مصدر تهديد

كان أتال، وهو متحدث موهوب دون خط أيديولوجي مهيمن، رصيدا ثمينا لماكرون منذ انتخابه عام 2017.

بعد دخوله البرلمان، شغل أتال، وهو نتاج مؤسسات النخبة الباريسية، منصب وزير الشباب والميزانية والتعليم، ومنصب المتحدث باسم الحكومة لفترة وجيزة خلال جائحة كوفيد-19 قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء.

وعلى الرغم من كونه عضوًا سابقًا في الحزب الاشتراكي، إلا أن السياسي الشاب تبنى سياسات تميل إلى اليمين، حيث قدم نفسه كشخصية تعمل على فرض القانون والنظام، وهو موقف عزز من شعبيته.

في وقت تعيينه، كان يُنظر إليه على أنه ورقة ماكرون الأخيرة في مواجهة الصعود الصاروخي لنجم اليمين المتطرف الصاعد، جوردان بارديلا، قبل الانتخابات الأوروبية.

شارك أتال بنشاط في الحملة الانتخابية للاتحاد الأوروبي، حتى مع المخاطرة بالتأثير على المرشحة الرئيسية لتحالف ماكرون “حركة النهضة”، فاليري هاير، لكنه فشل في نهاية المطاف، حيث انتهى الأمر بتقدم التجمع الوطني بزعامة بارديلا على الوسطيين.

ومع ذلك، يبدو أن أتال قد خرج سالماً من المشاكل الانتخابية لمعسكره في الانتخابات الأوروبية.

ويقول بابتيست دوبونت، الباحث المتخصص في استطلاعات الرأي للمجلة: ”لا يزال غابرييل أتال يتمتع بشعبية كبيرة لدى الفرنسيين كما كان دائماً، على الرغم من هزيمته في الانتخابات الأوروبية والانتخابات التشريعية، والتي لم يكن لها أي تأثير على شعبيته“.

وتابع ”قرار الدعوة إلى انتخابات مبكرة لم يكن قرارًا شعبيًا ولهذا السبب لم يفقد غابرييل أتال شعبيته، فقد اتخذ موقفًا ضد الرئيس بعد قراره الدعوة لانتخابات مبكرة“.

تحركات مستمرة

وقبِل ماكرون استقالة أتال رسميًا في 16 يوليو/تموز، ومنذ ذلك الحين، عمل رئيس الوزراء المنتهية ولايته كقائد لحكومة تصريف الأعمال، بينما يأخذ الرئيس وقته في تعيين مسؤول تنفيذي جديد.

وفي الوقت نفسه، واصل أتال بناء هويته السياسية وإدارة الأزمات والاحتفال مع الرياضيين خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس، بينما كان يتبنى دوره الجديد كزعيم برلماني.

وعلى الرغم من تأخر ماكرون في تشكيل حكومة جديدة، تواصل أتال مع قادة المجموعات البرلمانية الأخرى، مقترحًا إجراء محادثات سياسية في المجلس التشريعي المنقسم حيث لا تملك مجموعة واحدة الأغلبية.

وتثير طموحات رئيس الوزراء قلق حلفاء الرئيس بشكل متزايد.

ووفق “بوليتيكو”، أثارت خطة أتال لقيادة المجموعة البرلمانية للتحالف الوسطي، والتي من شأنها أن تمنحه السيطرة على استراتيجيات الحملة الانتخابية والأموال، انتقادات.

وقال أحد حلفاء ماكرون من ذوي الوزن الثقيل: ”ليس هناك طريقة أفضل من محاولة السيطرة على كل شيء في آن واحد”.

ورغم الاستياء في الإليزيه، إلا أن أتال يكتسب الدعم بين المشرعين، إذ قالت النائبة عن حركة النهضة آن جينيت، إنه ” ثمرة سياسية. إنه لم ينضج بعد، لكنه يتحرك عبر المراحل بأقصى سرعة”، 

وأضافت جينيت: ”حملة غابرييل أتال تثبت أنه عندما تبذل كل ما في وسعك، تحصل على نتائج“.