صعود قيادات نسائية لمناصب سياسية رفيعة.. هل يطفئ نار الحروب؟

بصعود قيادات نسائية جديدة إلى أعلى مستويات السياسة الدولية، طُرح تساؤل: هل هن قادرات على تغيير الطريقة التي تُدار بها الشؤون الدولية في عالم يهيمن عليه الرجال؟

وفي الشهر الماضي، صعدت عدة نساء إلى مستويات سياسية دولية رفيعة؛ فقد برزت كامالا هاريس كمرشحة رئاسية عن الحزب الديمقراطي الأمريكي، وانتُخبت أورسولا فون دير لاين لولاية ثانية كرئيسة للمفوضية الأوروبية، وعينت كاجا كالاس رئيسة للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وأصبحت راشيل ريفز أول مستشارة بريطانية.

فهل النساء قادرات على تغيير دفة العالم؟

تقول صحيفة «فورين بوليسي» الأمريكية، إنه لا يوجد عدد كاف من النساء في المناصب العليا لإعطاء الدفعة المتضافرة والموحدة اللازمة لتنفيذ سياسة خارجية نسوية وإدخال النظام العالمي المختلف جذرياً الذي ترغب فيه المثقفات النسويات.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن تحقيق المساواة بين الجنسين في أعلى مناصب السلطة بالمعدل الحالي سوف يستغرق قرابة قرن ونصف القرن، وأربعة عقود أخرى تقريباً لتحقيق التكافؤ بين الجنسين في الهيئات التشريعية الوطنية.

ويقول العلماء إنه عندما تصبح النساء حاكمات – من الملكات إلى رئيسات الوزراء – فمن المتوقع أن يتصرفن مثل الرجال ويظهرن «القوة»، وهو تعبير مخفف عن قدرتهن على الموافقة على «الحروب الدموية والحفاظ على حدود الدولة بأي ثمن».

وبحسب آن تاونز، أستاذة العلوم السياسية بجامعة جوتنبرج السويدية، لصحيفة «فورين بوليسي»، فإن «هناك شيئًا ما في السياسة الخارجية والأمنية مرتبط بالرجال والذكورة بطريقة اضطرت فيها القيادات النسائية إلى تبرير ما إذا كن محاربات أم لا. إنها سمة مهمة، تركز على حل النزاعات بالعنف بدلاً من التعاون والسلام».

لكن السياسة الخارجية النسوية تعطي الأولوية للأمن البشري على أمن الدولة وتدعو إلى إعادة التفكير الجذري في النظام الحالي. وهي تركز على القضاء على الأسباب الجذرية للصراع، ونزع السلاح، والنهج المتعدد الأطراف، والتدخلات الدبلوماسية، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وفي تصريحات لـ«فورين بوليسي»، فإن العديد من الباحثين اقترحوا أن يكون النهج التدريجي هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا مشيرين إلى أن تمثيل المرأة في المناصب العليا، على الرغم من أنه شرط ضروري، إلا أنه ليس سوى البداية.

وقالوا إن الفكرة هي تحقيق التكافؤ بين الجنسين في جميع المجالات في الحياة العامة والدفع نحو تغيير السياسات في الداخل والخارج. وبمجرد «تصحيح اختلال التوازن الحالي في القوة بشكل كافٍ، يمكن إعادة صياغة ممارسة الشؤون الدولية بشكل أساسي، ويمكن لصناع السياسات حتى مناقشة سلبيات مفهوم الدولة القومية»، بحسب الصحيفة الأمريكية.

السويد تطلق الشعلة

وقبل عقد من الزمان، بدا الأمر وكأن بعض الأفكار النسوية بدأت تترسخ. كانت السويد أول من تبنى إطار السياسة الخارجية النسوية في عام 2014؛ وتبعتها كندا في عام 2017؛ وفرنسا بعد عامين؛ ثم المكسيك وإسبانيا ولوكسمبورغ وألمانيا وتشيلي، لكن كل هذه السياسات كانت عملاً قيد التنفيذ يأخذ في الاعتبار الحقائق السياسية في ذلك الوقت ولم تعكس أهداف السياسة الخارجية النسوية ككل.

وقال الخبراء إن الأطر المعتمدة تفتقر إلى الرؤية والطموح، وعلاوة على ذلك، أصبح تنفيذها أكثر صعوبة بسبب عوامل مختلفة.

وفي حين كان إحراز التقدم في المجتمعات الأبوية وهياكل السلطة مهمة شاقة على الدوام، قال الخبراء إن الأيديولوجية اليمينية المتطرفة والأحزاب السياسية الصاعدة أعاقت التقدم بشكل أكبر، فعلى سبيل المثال، انقلبت السياسة الخارجية النسوية السويدية عندما وصلت حكومة يدعمها حزب من أقصى اليمين إلى السلطة.

وفي عام 2023، أطلقت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ووزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية سفينيا شولتز النسخة الألمانية من السياسة الخارجية النسوية وسط ضجة كبيرة. وتضمنت المبادئ التوجيهية للسياسة الخارجية النسوية كل شيء من حل النزاعات وتقديم المساعدات إلى السياسات الخضراء، ووجهت 85% من المساعدات إلى مشاريع ذات بعد يتعلق بالمساواة بين الجنسين.

اللعب النظيف

لكن سياسة اللعب النظيف الألمانية تعرضت لقدر لا بأس به من الانتقادات أيضا؛ فأولا، تم تبنيها من قبل وزارتين، وليس الحكومة بأكملها/ وثانيا، كان موقف المستشارة من السياسة غير واضح، مما ترك الشك بين الخبراء حول «ما إذا كانت الأجندة [ستُنفذ] على أعلى مستوى».

وتقول باربرا ميتلهامر، المحللة في مؤسسة «النساء من أجل الحرية» ومقرها برلين، إن السياسة الخارجية النسوية الألمانية نجحت في سياق محدود، مضيفة: «هناك قيمة كبيرة في المزيد من البرامج والأدوات المتعلقة بالنوع الاجتماعي والمزيد من التمثيل، لكنها ليست سياسة خارجية نسوية بمعنى وجود أولوية سياسية مختلفة».

وتزعم الباحثات النسويات، أن السياسة الخارجية الألمانية اتجهت في الاتجاه المعاكس بسبب التهديد الروسي الذي يلوح في الأفق فوق القارة الأوروبية. فقد دعا المستشار الألماني أولاف شولتز في خطابه «نقطة التحول» لعام 2022 إلى استثمار غير مسبوق في قطاع الدفاع الألماني، وتدرس البلاد إعادة إطلاق التجنيد الإجباري.

في حين لا يوجد نقاش بين الباحثات النسويات حول إنهاء مبيعات الأسلحة للدول غير الديمقراطية، فإن المحادثة تصبح أكثر تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بسلامة الأراضي أو دولة أصغر تتعرض للتهديد من قبل دولة استبدادية أكبر.

وتقول كريستي رايك، نائبة مدير المركز الدولي للدفاع والأمن، وهو مركز أبحاث أستوني: «من الصعب أن نفهم ما تساهم به السياسة الخارجية النسوية في فهم أكبر تهديد أمني نواجهه». ومن المتوقع أن تدفع كالاس، رئيسة السياسة الخارجية الجديدة بالاتحاد الأوروبي ورئيسة الوزراء الإستونية السابقة، باتجاه سياسات نسوية في منصبها الجديد بينما تواجه بلادها تهديداً وشيكاً من روسيا.

وتشير المبادئ التوجيهية السياسية لحملة فون دير لاين إلى كلمة «المساواة» سبع مرات، في حين استُخدمت كلمة «الدفاع» في ثلاثين مناسبة مختلفة. وسوف تركز فون دير لاين أيضًا على الدفاع في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وأشارت المبادئ التوجيهية إلى أن الإنفاق المشترك للاتحاد الأوروبي على الدفاع زاد بنسبة 20% من عام 1999 إلى عام 2021؛ وفي نفس الفترة، زاد الإنفاق الدفاعي لروسيا بنحو 300% والصين بنحو 600%. وكتبت فون دير لاين أن الإنفاق الأوروبي «متفكك ومتباين وغير أوروبي بما فيه الكفاية».

ماذا عن هاريس؟

تقول «فورين بوليسي»، إن التحديات التي ستواجهها هاريس، إذا أصبحت رئيسة، ستكون أشد وطأة؛ فالنساء والفتيات ليس فقط في الولايات المتحدة بل وفي مختلف أنحاء العالم يتوقعن منها أن تعمل على تحسين حياتهن بطريقة أكثر جوهرية من المساعدات التي تقدمها منظمات الإغاثة.

وفي حين يعتقد الخبراء أنها لن تغير السياسة الأمريكية بشكل جذري، فقد تبنت هاريس نبرة نسوية في العديد من القضايا بما في ذلك الحرب بين إسرائيل وحماس وحقوق المرأة في إيران.

وقالت إن إسرائيل «لها الحق في الدفاع عن نفسها، لا يمكننا أن نغض الطرف عن هذه المآسي. ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح غير مبالين بالمعاناة. ولن أصمت».

وأعربت هاريس عن دعمها للنساء في إيران خلال الاحتجاجات الجماهيرية في عام 2022 بشأن حقوق المرأة في البلاد. لكن الإيرانيين في المنفى ونشطاء حقوق المرأة يتوقعون المزيد. يقولون إنها يجب أن تستخدم نفوذها لتشجيع الأمم المتحدة على تجريم الفصل بين الجنسين.

وكتبت فونتيني باباجيوتي، نائبة مدير السياسات والدعوة في المركز الدولي لأبحاث المرأة: «أعتقد أنه في السياق الأوسع للسياسة الخارجية الأمريكية وتكوين الكونغرس، من غير المرجح أن تطبق إدارة هاريس تسمية النسوية على سياستها الخارجية. ومع ذلك، أعتقد أن إدارة هاريس تمثل فرصة لتعزيز المساواة بين الجنسين على الصعيد العالمي وفي الداخل – وخاصة فيما يتعلق بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية».

يقول الناشطون إن السياسة الخارجية النسوية لن تكون منطقية إلا إذا تم تطبيق المبادئ النسوية في الداخل أولاً على السياسة الداخلية. وبالتالي فإن التحدي الأول الذي سيواجه هاريس هو حماية حقوق المرأة في الولايات المتحدة.