ستارمر يختبر مياه أوروبا بـ«قانون المنتجات».. هل يعكس «بريكست»؟

قبل عقود طويلة، بدأ الاتحاد الأوروبي؛ القوة العظمى الحالية، بتجمع للفحم، وتضخمت الفكرة شيئا فشيئا حتى ابتلعت الحدود القومية بالقارة العجوز.

وفي الوقت الحالي، تبدو الحكومة البريطانية الحالية على طريق طويل لعكس اتجاه “بريكست”، عبر خطوات اقتصادية صغيرة، ربما ترمي في النهاية إلى تقارب كامل على التكتل بعد سنوات صعبة في ظل الحكومة السابقة، وفق مراقبين. 

ووفق مجلة “بوليتيكو” الأمريكية، فإن قانون مقترح تم إدراجه في البرنامج التشريعي لرئيس الوزراء كير ستارمر دون ضجة، يبدو وكأنه لحظة مهمة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتفتح حزمة القوانين الجديدة الباب أمام المواءمة البريطانية مع معايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمنتجات، وهو ما يمثل قطيعة حادة مع نهج المحافظين المتمثل في وضع أكبر قدر ممكن من المياه بين لندن وبروكسل منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

المشروع الجديد يمنح حكومة المملكة المتحدة سلطة الاعتراف بقواعد سلامة منتجات الاتحاد الأوروبي التي تم تحديثها من قبل الاتحاد منذ مغادرة بريطانيا للتكتل الأوروبي، وهو ما قد يجعل الحياة أسهل للشركات التي ترغب في التجارة في كلا السوقين واستخدام قطع غيار الاتحاد الأوروبي في سلاسل التوريد الخاصة بها.

ولكن هذا الأمر قد أثار بالفعل فزع مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذين يضعون ما يصفوه بـ”السيادة البريطانية” فوق أي شيء آخر.

وقال جويل ريلاند من مركز أبحاث “المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة” إنه “يمثل مشروع القانون تغييرًا في سياسة الاتحاد الأوروبي”، مضيفا أنه “للمرة الأولى منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تقول حكومة المملكة المتحدة صراحةً إنها ترغب في الحفاظ على التوافق مع لوائح الاتحاد الأوروبي الجديدة، لتسهيل حياة الشركات.”

وليس من المستغرب أن المتشككين في الاتحاد الأوروبي ليسوا راضين عن النهج الجديد لحكومة حزب العمال.

إذ وصفت صحيفة “ديلي إكسبريس” هذه الخطوة بالفعل بأنها “خيانة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي” على صفحتها الأولى.

وقال متحدث باسم حزب الإصلاح البريطاني الذي يتزعمه نايغل فاراج: “إن عدم نزاهة وخيانة حزب العمال بشأن هذا التشريع هو للأسف ما يجب أن نتوقعه”.

ومضى قائلا “إذا أرادت شركة ما التوافق مع لوائح الاتحاد الأوروبي، فيمكنها ذلك. فهي لا تحتاج إلى تشريع بريطاني للقيام بذلك”، مضيفة “الفكرة الأساسية للتشريع هي إجبار الشركات البريطانية على الامتثال للتشريعات الأجنبية التي لا نملك السيطرة عليها.”

ووفقًا للمحامي جورج بيريتز، الذي يغطي عمله القضايا التجارية والتنظيمية، فإن التشريع “سيؤدي إلى “التراجع عن بعض الأضرار التي أحدثتها الحكومة السابقة في مشروع قانون الاتحاد الأوروبي”، وهو قانون سمح للوزراء بتغيير القوانين الموروثة من الاتحاد الأوروبي أو إلغائها بالكامل. 

وقال إن: “ما فعله مشروع قانون الاتحاد الأوروبي، هو التظاهر بأن القواعد التي ورثناها من الاتحاد الأوروبي ليست قواعد الاتحاد الأوروبي وإخبار المحاكم البريطانية بتفسيرها دون الرجوع إلى مبادئ تفسير قانون الاتحاد الأوروبي”، مضيفا: “كانت الحكومة السابقة تعرف أن ذلك سيؤدي إلى الكثير من عدم اليقين الضار، لكنها فعلت ذلك على أي حال.”

وعلى النقيض من ذلك، أوضح المحامي أن التشريع الجديد “سيمكن المنظمين، عندما ينظمون المتطلبات الفنية التفصيلية للمنتجات، يعودون لما ينص عليه قانون الاتحاد الأوروبي، وتتبع المحاكم تفسير محكمة العدل الأوروبية”.

ويمكن أن يسهل التشريع التوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي للأغذية الزراعية – وهو مصدر رئيسي للشد والجذب بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للأشخاص الذين يحاولون القيام بأعمال تجارية عبر الحدود.

وقال بيريتز: “قد يكون من الأسهل تنفيذ اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في مجال الطب البيطري، إذا وافقت المملكة المتحدة كجزء من تلك الاتفاقية على تبني أي قواعد أو تعريفات قانونية تتبع قواعد الاتحاد الأوروبي”.

فيما قالت الحكومة إنها تأمل في أن يؤدي أي اتفاق من هذا القبيل مع الاتحاد الأوروبي – وهو ليس اتفاقًا منتهيًا بأي حال من الأحوال – إلى “منع عمليات التفتيش الحدودية غير الضرورية والمساعدة في معالجة تكلفة الغذاء”.

ويرى قطاع التصنيع في المملكة المتحدة أيضًا فرصًا في مناورة حزب العمال التي بالكاد يلاحظها أحد.

ليس هذا هو المجال الوحيد الذي يبدو أن مشروع القانون الجديد يتجه نحو المواءمة مع الاتحاد الأوروبي. إذ يعد قانون السلامة على الإنترنت، نقطة تقارب رئيسية أخرى مع التكتل. 

ووفق “بوليتيكو”، قد تكون التشريعات نقطة تحول في موقف المملكة المتحدة من القوة العظمى المجاورة.

لكن المواءمة الفعلية مع السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي في القطاعات الرئيسية – وإزالة الحواجز التجارية التي قد تؤدي إلى ذلك – هي القفزة الأكبر في هذا الإطار، لكنها ستتطلب اتفاقًا مع الاتحاد.

وإذا كانت التشريعيات تفيد بأن الحكومة البريطانية تغمس إصبع قدمها في حوض المواءمة مع الاتحاد الأوروبي، يبقى السؤال: هل ستغوص فيه في النهاية؟.