الجزيرة السورية.. شرق الفرات وتفجر التناقضات

أبرزها ما تجلى في المواجهات التي اندلعت في جزء من الجزيرة السورية، أو ما يعرف بشرق الفرات، بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية، وتحديداً في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور؛ إنها التناقضات البنيوية داخل مجتمعات تلك المنطقة الجغرافية المعروفة تاريخياً بتركيبتها العشائرية والقبلية

بعد اندلاع الأحداث عام 2011، حظيت منطقة الجزيرة السورية باهتمام خاص من كافة الأطراف، نظراً لميزتها الجغرافية وتنوع اقتصاداتها، من النفط إلى الغاز إلى الزراعة إلى الثروة الحيوانية، وامتلاكها مفاتيح طرق تجارية مهمة. ، بحيث تحدها الحدود الجنوبية لتركيا، وتتصل بشمال غرب العراق، الذي يشترك… بتنوعها العرقي والديني والتاريخي والثقافي، فضلاً عن مياه نهري دجلة والفرات، فتشكل منطقة الشريان الذي يصلها من غربها إلى وسط البلاد وجنوبها.

سعت القوى المحلية والخارجية إلى فرض وجودها بأشكال مختلفة، بعضها عسكري، لكنها لم تنجح في توسيع هيمنتها إلا على حساب أخرى، ولم تتمكن من صياغة جسم سياسي متجانس أشبه بتشكيلة واسعة. بنية طيفية تضم مكونات تلك المنطقة، من السريان إلى الآشوريين إلى الكلدان إلى العرب إلى الإيزيديين إلى الأكراد، عدا عن التنوع الديني للمسيحيين والمسلمين.

وطوال تاريخها الطويل، تفاعلت هذه الشعوب وانسجمت فيما بينها، منغمسة في راحة ورخاء الحياة التي توفرها خصوبة الأرض ووفرة إنتاجها الزراعي قبل اكتشاف النفط والغاز، إضافة إلى عوائدها. طرق التجارة .

ساهم خروج غالبية المدن والبلدات المنتجة في الجزيرة السورية من سيطرة الدولة السورية في توجيه ضربة قوية للاقتصاد السوري بمختلف جوانبه. في حياة السوريين.

وانقلب بعض ممن وصفوا بالحلفاء على دمشق، مستغلين فرصة ضعف الدولة ومؤسساتها نتيجة الحرب، ومستغلين غطاء القوى الخارجية التي وفرت لهم سبل الهيمنة، رغم أن نسبياً، على مساحات واسعة من الجزيرة السورية، حتى اغتنموا فرصها الاقتصادية الهائلة، ومع ذلك لم تنجح أي قوة أو مكون في فرض إرادته على الآخر رغم محاولات بث الاستقرار.

ومن الطبيعي أن تتابع الحكومة السورية بجدية واهتمام كبيرين مجريات الأحداث في الجزيرة السورية وما يحدث من تقلبات وانقسامات في إحدى الكتل الخارجة عن سيطرتها. الدولة السورية، برموزها العسكرية والأمنية والتنفيذية، حاضرة هناك في سبع مدن، ولو بشكل محدود، بحسب ما تسمح به الظروف وما تتطلبه المفاهيم. ولم تقطع خطوط تواصلها مع أغلبية المكونات الاجتماعية، وهذا يمنحها القدرة على التحرك في أكثر من اتجاه يمكن أن يحقق هدفها الأساسي وهو توسيع دائرة حضورها وسيادتها على الاستلقاء على المنطقة الأكثر ثراءً اقتصادياً في البلاد، وعلى أهم جغرافية لها، فهي مثل عضلة القلب في سوريا.

وتدرك الحكومة السورية أن اندلاع الخلافات بين هذه المكونات وتطورها في المواجهات والاقتتال هو النتيجة الطبيعية لتناقض الأهداف بينها بعد أن تبين أن المصالح المؤقتة أو العابرة فقط هي التي شكلت محور اجتماعها. ومهما كانت نتيجة الأحداث في الجزيرة السورية؛ ومن الواضح أن واقعاً جديداً يلوح في الأفق سيكون مختلفاً عما كان عليه في المرحلة السابقة، بما في ذلك إعادة تفكير اللاعبين المحليين وغير المحليين في أجنداتهم السابقة، الميدانية والسياسية، إضافة إلى أن والفجوة الكبيرة التي أصابت وحدة هذه الكتلة يمكن أن تمتد إلى ساحات أخرى وميادين أبعد بسبب صراع المصالح وتضارب الأهداف الاستراتيجية.

ولا يخفى على أحد أنه في سياق هذه المواجهات يكمن صراع القوى العظمى الموجودة على الأرض السورية، وخاصة في تلك المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، وستجد كل واحدة منها نفسها في سباق مع الزمن والزمن. مع الأحداث لتسجيل نقاط إضافية في سلتهم.

وتسبب اندلاع المواجهات بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية شرق محافظة دير الزور، في حدوث انفصال بين المكونين اللذين كانا متناغمين منذ سنوات قليلة في ظل إدارة ورعاية واشنطن. ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستحاول تطويق المواجهات والحد من اتساعها والعمل على تحقيق التوازن بين المكونين دون أن يطغى أحدهما على الآخر. ودمشق تراقب بعناية، بهدف استعادة سيادتها على تلك المنطقة، بكل أبعادها الوطنية والاستراتيجية.

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعكس اتجاه الصحيفة