واشنطن و«حريق» الشرق الأوسط.. سيناريوهات قاتمة تشعلها «لعبة نتنياهو»

الخشية من انجرار الولايات المتحدة إلى حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، ترسم سيناريوهات قاتمة لواشنطن والمنطقة

هذا ما خلُص إليه تحليل في مجلة “فورين بوليسي” لكل من هالة راريت، دبلوماسية أمريكية سابقة، عملت لمدة 18 عاما في وزارة الخارجية الأمريكية، قبل استقالتها في أبريل/نيسان 2024، ومعارضة لسياسة الرئيس جو إدارة بايدن تجاه غزة، وأنيل شيلين، زميلة أبحاث في معهد كوينسي للحكم المسؤول وزميلة غير مقيمة في المركز العربي في العاصمة واشنطن، 

يقول التحليل الذي طالعته “”، إن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، إسماعيل هنية، نهاية الشهر الماضي، “ليس مجرد محاولة لجر إيران والولايات المتحدة إلى حرب؛ بل إنه أيضا وسيلة أكيدة لتدمير مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة”.

فهنية، بصفته رئيس الجناح السياسي لحماس ومقيم في قطر، كان أحد الشخصيات البارزة التي ورد أنها حاولت الحصول على تنازلات من يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة.

واشنطن بين مخاطر نتنياهو والنفوذ الدبلوماسي

وأشار تحليل “فورين بوليسي” إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “يرفض حل الدولتين ويسعى بدلا من ذلك إلى شرق أوسط ملتهب بشكل دائم”. لافتا إلى أن واشنطن “تسير نحو هذا الحريق وهي مدركة تماما لما يجري”.

وبالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فهي “تدرك جيدا المخاطر التي يفرضها نتنياهو. ومع ذلك، بدلا من اتخاذ موقف حازم، واستخدام النفوذ الدبلوماسي، مثل المساعدة العسكرية، لكبح جماح هذه التصعيدات المستمرة، تواصل التصرف بطريقة خائفة، مما يسمح لزعيم أجنبي بتحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنجر إلى حرب كارثية أخرى”. وفق المصدر.

وبصفتهما من قدامى المحاربين في الخدمة الخارجية منذ 18 عاما، تخشى كل من راريت وأنيل، أن يكون الضرر الذي يلحق بالأمن القومي والدبلوماسية الأمريكية أسوأ بكثير من أي شيء مر عليهما في التاريخ الحديث، بما في ذلك الحرب العالمية على الإرهاب والغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003.

وبحسب الخبيرتين، فقد حذر الخبراء داخل وزارة الخارجية الإدارة الأمريكية منذ أشهر من أن الدعم غير المشروط لإسرائيل “كان قرارا مفلسا أخلاقيا ويتناقض بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية في المنطقة. ومع ذلك، تم تهميشهم، والآن أصبحت الولايات المتحدة على وشك الانجرار إلى حرب أوسع نطاقا لا تخدم مصالح شعبها”.

ومنذ أن شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في أعقاب هجوم حماس المباغت، تساءل المعلقون عما إذا كان كبار المسؤولين الأمريكيين يعرفون ما يحدث في غزة.

وبالتحديد كان السؤال يتمحور حول ما إذا كانوا يشاهدون أهوال الحرب، فسيتعين عليهم الإصرار على أن تغير إسرائيل سلوكها أو تسحب الدعم الأمريكي.

ومع ذلك، بصفتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أرسلت هالة مجموعة من الصور ومقاطع الفيديو إلى صناديق البريد الوارد الخاصة بهم كل يوم: لا تستطيع وزارة الخارجية أن تدعي أنها لم تكن على علم بما تفعله إسرائيل، بأسلحة أمريكية، للسكان المدنيين في غزة.

واحتجاجا على ما يحصل في غزة، استقالت هالة من مهمتها الأخيرة في إحدى القنصليات الأمريكية بالخارج، في أبريل/نيسان الماضي،

وفي الشهر الذي سبقه، استقالت أنيل من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، احتجاجًا على دعم إدارة بايدن غير المشروط للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وبناء على تجاربهما، أشارتا إلى أن وزارة الخارجية “تتجاهل عمدا التحولات الأساسية التي تحدث في المنطقة نتيجة للدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل”.

ويشير تحليل “فورين بوليسي” إلى أن بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومنسق البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكجورك “يبدو أنهم يعتقدون أن واشنطن قادرة على متابعة هذه السياسة ومواجهة عواقب قليلة طويلة الأجل”.

مستدركة “لكن الضرر الذي لا رجعة فيه قد حدث بالفعل ونحن الآن على وشك اندلاع العنف في جميع أنحاء المنطقة. وهذا ما يسعى إليه نتنياهو بدعم أمريكي”.

مصداقية واشنطن على المحك

واعتبر التحليل أنه “من خلال الاستمرار في تمويل وتسليح والدفاع عن إسرائيل وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل عرقلة وصول الغذاء والمياه النظيفة والأدوية إلى غزة، دمرت إدارة بايدن مصداقية الولايات المتحدة وزادت بشكل خطير من التهديد الأمني ​​القومي للولايات المتحدة”.

إضافة إلى ذلك فإن “تواطؤ الولايات المتحدة يضع الدبلوماسيين وأفراد الخدمة الأمريكيين هدفا للانتقام المحتمل، في حين أنه يزعزع استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل متزايد” وفق المجلة.

واستدل التحليل بما جرى في أكتوبر/تشرين الأول، حين اضطرت السفارة الأمريكية في بغداد إلى إجلاء بعض الموظفين بسبب الهجمات المتعلقة بالصراع في غزة.

وفي يناير/كانون الثاني، قُتل ثلاثة من أفراد الخدمة الأمريكية في “برج 22” على الحدود السورية الأردنية رداً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.

والآن، بعد سبعة أشهر من الهدوء النسبي، تستهدف الجماعات الموالية لإيران القوات الأمريكية مرة أخرى.

وفي هذا الصدد، لفت التحليل إلى أن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية سلطوا الضوء على مثل هذه التهديدات لعدة أشهر. إذ أعرب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي عن مخاوفه بشأن التهديدات المحتملة للولايات المتحدة.

في المقابل، لم يكن بوسع المسؤولين في الولايات المتحدة إلا أن يقدموا سوى تأكيدات فاترة بأن الحكومة الأمريكية ملتزمة بمفاوضات وقف إطلاق النار، وهو الخيال الذي كذبه رفض بايدن العنيد لفرض العواقب على إسرائيل، على الرغم من رفض نتنياهو مرارا وتكرارا لمقترحات الهدنة.

وخلُص التحليل إلى أنه في أعقاب اغتيال إسرائيل لهنية على الأراضي الإيرانية وعرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، يمكن أن يزداد كل شيء سوءا بالنسبة للمنطقة والولايات المتحدة.

وفي حين ستكون الحرب الأوسع نطاقا مع حزب الله والحوثيين والمواجهة المباشرة المحتملة مع إيران “كارثية”، إلا أنها ستساعد على بقاء نتنياهو السياسي. بحسب “فورين بوليسي”