هدى سلطان.. الفاتنة التي تمردت على الثوابت (بروفايل)

في صراع عنيف لا ينفك عن التشتت والانقسام، بدأت حكاية المطربة والممثلة المصرية القديرة هدى سلطان، صراع نما وتعمق منذ لحظة اتخاذها قرار الالتحاق بعالم الفن.

تلك اللحظة كانت بمثابة الشرارة الأولى التي أشعلت نيران النزاع بين إرادتها الطموحة وأسرتها.

وتزعم هذا الصراع شقيقها، المطرب محمد فوزي، الذي كان يعارض بشدة هوايتها الفنية ويعتبرها قد خرجت على تقاليد الأسرة.

لكن هدى، بعزيمتها القوية، تحدت جميع الضغوطات، وأصرت على تحقيق حلمها، قائلة: “لتفعل القوة ما تشاء”.

هدى سلطان المتمردة 

لم يكن طموح هدى يقتصر على كونها مطربة فحسب؛ فقد كان هدفها الأكبر هو تغيير القوانين السائدة داخل محيطها الاجتماعي، مؤكدةً وجودها كأنثى تؤسس لحياة مليئة بالتمرد والتغيير.

نشأت هدى في بيئة قروية بسيطة، حيث كان والدها فلاحاً يعمل بالأرض وأمها سيدة غير متعلمة.

وُلدت بهيجة عبدالعال الحو، الاسم الحقيقي لهدى، في 15 أغسطس/ آب عام 1925، في قرية كفر الجندي بمحافظة الغربية، بين 5إخوة أكبرهم محمد فوزي، الذي يكبرها بعشر سنوات.

تروي هدى في حوار لها مع مجلة “نصف الدنيا” عن موقف شقيقها محمد فوزي، قائلةً: “لم أكن أجرؤ على الغناء أمامه في المنزل رغم علمه بشغفي بالغناء، وكان هو الآخر لا يجرؤ على الإفصاح لوالدنا عن حبه للموسيقى، لأنه كان أباً يرفض أهل الغناء بسبب ما يسمعه عنهم”.

في تلك اللحظة، يبدو أن هدى كانت تتقبل الصراع القائم في صمت، تتفرج على المعركة بين والدها وشقيقها، الذي كان يسعى لأن يصبح مطرباً وملحناً، على غرار سيد درويش.

مع مرور الزمن، انتهت معركة فوزي مع والده بخروج الأول عن مسار الدراسة، وانتقاله إلى القاهرة ليدرس في معهد الموسيقى، بعدما تعلم أصول الطرب على يد أحد رجال الإطفاء.

وعلى الرغم من موقف الأب المتعنت، كانت الأم، وهي روح الثورة الحقيقية، تدعمه مادياً، حيث كانت ترسل له حوالة بريدية شهرياً، كما روت هدى لمجلة “نصف الدنيا”.

ولكن، بعد فترة من القطيعة، أبدى الأب موقفاً أكثر إيجابية تجاه ابنه عندما بدأت شهرة فوزي تتسع.

وبذلك، تم التصالح بينهما، وتهيأت الظروف لثورة جديدة على يد ابنته هدى، التي كانت المعركة معها أكبر وأكثر تعقيداً.

إن صراعات الثوار مع أنفسهم غالباً ما تؤدي إلى تقويض إنجازاتهم، فبعد أن تخطى فوزي عقباته، أعاد إنتاج نموذج الأب المتغطرس، وعارض قرار أخته في دخول عالم الفن، متذرعاً بالحماية من أجواء الوسط الفني.

وعندما انتقلت هدى للعيش في القاهرة تحت وصاية شقيقها، بدأت المواجهة الحقيقية، حيث هددها فوزي، وفقاً لقول هدى، بالقتل.

ورغم ذلك، اختارت هدى أن تسير في طريقها دون التوقف، محققة نجاحات كبيرة بعد انضمامها للإذاعة المصرية كمطربة في عام 1949.

حين اقترب الموت من فوزي، كانت نهايته سبباً في لم شمل الشقيقين، حيث زارت هدى شقيقها لقطع سنوات الخصومة، فاستقبلها فوزي بالأحضان والبكاء، وأهدى لها هدايا صلح، منها لحن “لاموني وارتضيت باللوم”. 

هدى سلطان تجلس على جبل الشهرة

هدى، التي كانت تسعى لإدارة بيتها بأقصى درجات الاهتمام والتفاني، كانت أيضاً تسهم في تصميم ملابسها على ماكينة الخياطة الخاصة بها، وتجعل من كل عيد فرصة لتفصيل ملابس مميزة لبناتها وأحفادها. كان يبدو أن كل جزء من حياتها كان يُفصّل بعناية فائقة، بدءاً من الملابس التي ترتديها حتى الأدوار التي تؤديها على الشاشة.

بدأت هدى مسيرتها السينمائية بدور الفتاة الرقيقة الرومانسية، قبل أن تنتقل إلى تقديم أدوار أكثر قوة وتأثيراً، مثل دور المرأة المتسلطة في فيلم “امرأة على الطريق” عام 1958، الذي أعاد صياغة صورتها على الشاشة. وبتألقها في أدوار مشابهة، أصبحت واحدة من أبرز ممثلات الدراما التلفزيونية، حيث كانت دائماً محور الأحداث، لا تكملها بل تشكلها.

كانت هدى سلطان أكثر من مجرد فنانة؛ فقد كانت تجسيداً للثورة والتمرد على القيود الاجتماعية. صوتها، الذي وصفه الموسيقار محمد الموجي بأنه “بارع وقوي”، وأداءها الرائع تحت إشراف رياض السنباطي، جعلها واحدة من أبرز المطربات، رغم أنها لم تكن تسعى لمشروع غنائي بحت، بل كانت تهدف إلى تحقيق مشروع ثوري في المقام الأول.