نهاية النفق.. من يملك قوة إشعال نقطة الضوء؟

ثمة نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم. هكذا تم التعاطي مع البيان (القطري – المصري – الأمريكي) حول وجوبية الوقف الفوري للحرب في غزة.

يعزز من حالة التفاؤل هذه ترحيب دول إقليمية ومطالبتها بضرورة البناء عليه من أجل تحقيق هذا الهدف، فالوضع الراهن في المنطقة جد خطير؛ إذ تتشابك الخيوط وتتداخل بصورة تدفع نحو المجهول.

هناك إجماع دولي وإقليمي على ضرورة الدفع نحو حلول شاملة وجذرية، لا سيما وأن المنطقة لن تحتمل أي مغامرات جديدة غير محسوبة من أي طرف. تقترن جهود وقف إطلاق النار مع الحديث بقوة حول ضرورة التوصل إلى اتفاق حول إقامة دولة فلسطينية. فاتورة الدم هذه المرة باهظة الثمن، فإذا لم يكن ذلك مقابلاً لـ”حل الدولتين”، فما هو الثمن المطلوب إذن؟

يقينًا، هناك تحديات كثيرة تقف أمام الوصول إلى هذا الحل. من وجهة نظري، أصعب وأهم تحدٍ يتمثل في ضرورة إقناع الحكومة الإسرائيلية أن لغة الدم وحدها لن تقود إلى تحقيق أي إنجاز سواء كان عسكريًا أو دبلوماسيًا. الدليل على ذلك دخول الحرب في غزة عامها الأول، ولم يتحقق أي من الأهداف التي أعلنت عنها حكومة بنيامين نتنياهو.

الأدهى من ذلك، قدرة مقاتلي حماس على إعادة ترميم البنية العسكرية للحركة بصورة تقلص فرص تحقيق أي إنجاز عسكري إسرائيلي، وفقًا لتقارير إعلامية إيرانية. يجب التعاطي مع هذه الحقيقة جيدًا.

إن تبني استراتيجية “التفاوض من أجل التفاوض” تجاوزها الزمن، فانسداد الأفق السياسي أمام إنهاء القضية الفلسطينية يدفع ثمنه الأكبر إسرائيل، فيما الشعب الفلسطيني ليس لديه ما يخسره، ولم يتبقَ له سوى خيار المقاومة.

هجرة نصف مليون

وفقًا للإحصائيات، بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غادر نصف مليون إسرائيلي الأراضي المحتلة. خلال شهر أكتوبر وحده غادر نحو 370 ألف إسرائيلي، وفي نوفمبر/تشرين الثاني غادر 139,839 آخرون. هذه الأرقام لا تشمل آلاف العمال الأجانب والدبلوماسيين الذين غادروا إسرائيل نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية. أضف إلى ذلك تعديل طريقة حساب المهاجرين من قبل المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي. في الطريقة الجديدة، تم تسجيل زيادة قدرها 60 ألف مهاجر في عام 2023 مقارنة بالسنوات السابقة، إذ تراوحت الأرقام عادة بين 40 ألف مهاجر سنويًا. ما سبق يؤشر بوضوح إلى تعرض استراتيجية الردع الإسرائيلية إلى ضربة موجعة.

العامل الآخر لا يقل أهمية يتمثل في: ارتكاب إسرائيل أخطاء مركبة منذ بداية الحرب. فعقب عملية 7 أكتوبر، كانت تخشى حماس من فقدان دعم سكان القطاع. الحقيقة أن إسرائيل بددت هذه المخاوف سريعًا جدًا، حينما حولتها إلى حرب ضد جميع الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، سواء كانوا من حماس أو فتح أو أي فصيل آخر.

ضغوط متزايدة

العامل الأخير يتمثل في تقلص الدعم العسكري الأمريكي، فواشنطن، وفقًا لتقارير عالمية، زودت تل أبيب بـ68% من ذخائر الحرب. السؤال: هل يستمر هذا الدعم متجاوزًا اتساع دائرة الانتقادات التي تواجهها الإدارة الأمريكية؟ قطعًا لا، لأن طول أمد الحرب يُنذر بأن تطال نيرانها دولًا أخرى شمالًا وجنوبًا، وهو أمر حتمًا تتحسب له القوى الدولية والإقليمية. خريطة العالم لا تحتمل ثقبًا أسودًا جديدًا. ما يدلل على ذلك انخراط الإدارة الأمريكية بجدية في محاولة الوصول إلى وقف إطلاق النار “على الفور” وفقًا للتعبير المستخدم في البيان الثلاثي.

كما أن الولايات المتحدة ترتبط بمصالح استراتيجية مع حلفائها في الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول العربية. استمرار هذه الحرب قد يهدد هذه المصالح ويزيد من تعقيد العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة. أضف إلى ذلك تأهب واشنطن لإجراء الانتخابات الرئاسية، ما يتزايد معه الضغوط الداخلية من الرأي العام الأمريكي وبعض أعضاء الكونغرس الذين يدعون إلى وقف دعم إسرائيل في حال استمرار العنف.

أخيرًا، فإن استمرار وتصاعد القتال يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، ما يزيد من ضغوط المنظمات الدولية على الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية.

بيت القصيد.. تأخر وقف القتال في غزة لا يصب في مصلحة أحد. بل على النقيض من ذلك، هو ضرورة ملحة خشية تصعيد الصراع إلى نزاع إقليمي أوسع. كذلك يحافظ على الاستقرار في المنطقة، ويهيئ الظروف لحلول دبلوماسية تعزز السلام والأمن على المدى الطويل.

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة