قيادي سوداني يرسم لـ«» سيناريوهات محادثات جنيف

على أعتاب جولة مشاورات جديدة عابرة لحدود المنطقة والقارة الأفريقية، يأمل السودانيون أن تثمر الجهود الدولية والإقليمية في إنهاء الحرب.

هذا ما أكده الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، شريف محمد عثمان، الذي قال في مقابلة مع “”، إن الجهود التي تبذل خلال الفترة الأخيرة “غير مسبوقة” منذ اندلاع هذه الحرب في أبريل/نيسان 2023، فضلا عن تداخل قوى دولية وإقليمية نافذة.

وأضاف عثمان، “أعلن قائد الدعم السريع (محمد حمدان دقلو) عن موافقته على المشاركة في هذه الجولة (محادثات سويسرا) وهناك جهات عديدة من الفاعلين الدوليين تحدثوا عن موافقة القائد العام للجيش (عبدالفتاح البرهان) بالذهاب إلى جنيف، لكن حتى اللحظة لم تعلن القوات المسلحة موقفًا مُعلنًا عن هذه الجولة”.

عزل المجموعة المتطرفة

لكن عثمان حدد شروطا لنجاح جولة جنيف، وقال “يجب أولًا أن ينصب الجهد على دفع القوات المسلحة لاتخاذ قرار المشاركة في التفاوض وذلك سياسيًا، وعزل خطاب المجموعة المتطرفة من عناصر النظام البائد التي تعمل على عرقلة هذه الجولة كما عرقلت الجولات السابقة.”

وأضاف “وفي حال إعلان القوات المسلحة المشاركة في هذه الجولة، ينبغي عليها وعلى الدعم السريع إدراك حجم المخاطر التي تحيط بشعبنا من نذر المجاعة ونقص الدواء وانهيار النظام التعليمي والنزوح واللجوء.”

ومضى قائلا: “عليهم أن يتحلوا بإرادة السلام والرغبة في العمل على إنهاء معاناة الشعب السوداني. في حال تحلّى الطرفان بالرغبة في إنهاء معاناة الشعب السوداني، بكل تأكيد ستكون هناك فرصة كبيرة لإعلان وقف إطلاق النار، ويكون ذلك بداية الطريق لإنهاء الحرب”.

وفسر هذا الأمل قائلا “الطرفان قد توصلا في وقت سابق إلى تفاهمات كبيرة فيما يتعلق بإجراءات بناء الثقة ومبادئ الحل السياسي، وأيضًا اتفاق وقف العدائيات.. وهذه الاتفاقات بكل تأكيد ستكون حاضرة، بما أن الوساطة أعلنت أنها ستستند إلى الاتفاقات السابقة في منبر جدة.”

وفي يوليو/ تموز الماضي، دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الجيش وقوات الدعم السريع إلى مفاوضات جديدة في 14 أغسطس/ آب الجاري في سويسرا، تحت رقابة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ودولة الإمارات، ومصر.

وأواخر الشهر الماضي، وافقت الحكومة السودانية على الدعوة لعقد مفاوضات جنيف للتوصل إلى وقف إطلاق النار في البلاد لكنها اشترطت تنسيقا حول الأجندة. كما رحب قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بالدعوة الأمريكية لإجراء محادثات في سويسرا، مؤكدا المشاركة فيها.

وأمس، انتهت المفاوضات الاستباقية التي شارك فيها وفد حكومي سوداني مع الولايات المتحدة الأمريكية دون نتيجة أو أمل نحو اتفاق، وعاد الوفد إلى بورتسودان. لكن الحكومة لم تعلن موقفها النهائي من جنيف بعد. 

الجهد الإماراتي المصري

عثمان قال أيضا إنه “جرى تقديم دعوات عديدة من قبل الوساطة السعودية والأمريكية، ومن ثم الجهد الإماراتي المصري ومنظمة إيقاد والاتحاد الأفريقي.”.

واستطرد عثمان: “نحن على اتصال بكل هذه الجهات ونعمل معها على توحيد هذه الجهود لتكون مثمرة، حيث إن كل المحاولات التي تم الإعلان عنها بشكل منفرد من المؤسسات الإقليمية لم يُكتب لها النجاح.”

وأضاف، “لذلك نقول لكل دول الجوار والمؤسسات الإقليمية والدولية والدول المحبة للسلام إن توحيد الجهود من شأنه أن يعزز فرص الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار. ويجب أن لا تخضع هذه الحرب لأي نوع من التنافس الإقليمي.”

وتابع، “ومن الواضح أن هناك تنسيقًا كبيرًا تم في جيبوتي بين كل الفاعلين في الملف السوداني، وأعتقد أن درجة التنسيق الآن أفضل من الفترات السابقة حيث تنخرط كل الجهات الفاعلة في عملية التنسيق لهذه الجولة.”

وسبق وأن استضافت مدينة جدة محادثات برعاية سعودية أمريكية، في 11 مايو/ أيار 2023، أسفرت عن أول اتفاق طرفي الحرب على الالتزام بحماية المدنيين.

وأفلح منبر جدة في إعلان أكثر من هدنة، تخللتها خروقات عديدة وتبادل للاتهامات؛ ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر/ كانون الأول 2023.

وخلال الفترة من (6 -8) يناير/كانون الثاني الماضي، أجرى كل من نائب القائد العام للجيش، الفريق أول شمس الدين كباشي، والقائد الثاني لقوات “الدعم السريع”، الفريق عبد الرحيم دقلو، مفاوضات في العاصمة البحرينية (المنامة)، انتهت بتوقيع اتفاق من 22 بندا.

ونص الاتفاق الذي تضمن 22 بندا، على تكوين جيش وطني مع “الدعم السريع”، والقبض على المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتفكيك نظام الإسلاميين الذي حكم البلاد في العقود الثلاثة الماضية.

تكرار الأخطاء المنهجية

وبشأن المجاعة التي تهدد البلاد، قال عثمان: “تمارس حكومة الأمر الواقع تكرار نفس أخطاء الحكومات السابقة. حيث حدثت في السودان مجاعتان في وقت سابق: الأولى في العام 1983-1984، والثانية في العام 1998، ولم تعلن حكومة جعفر نميري ولا عمر البشير عن المجاعة في وقتها وكانت تنكر كل تقارير المنظمات الدولية والمحلية العاملة في الشأن الإنساني حول المجاعة.”

وقال: “وقد راح ضحية هذه المجاعات مئات الآلاف من السودانيين بسبب خوف هذه النظم من التكلفة السياسية لإعلان المجاعة وما يترتب عليها من ترتيبات، وعندما اعترف جعفر نميري (1969- 1985)، وعمر البشير (1989- 2019) بالمجاعة كان الجوع قد فتك بالملايين من شعبنا وأحدث أوسع موجة نزوح في تاريخ السودان.”

وأضاف، “الآن، يتم تكرار نفس الأخطاء الممنهجة التي تقتل شعبنا، حيث تتهرب سلطة الأمر الواقع من إعلان المجاعة، وذلك خوفًا مما يترتب عليها من مسؤوليات متعلقة بالعودة للتفاوض وإعلان وقف إطلاق نار لأغراض إنسانية.”

وأكد أن الواجب الآن هو العمل مع الطرفين وحثهما على الالتزام بالواجبات المتعلقة بإيصال المساعدات الإنسانية وفتح المسارات وضمان وصولها وعدم الاعتداء على الكوادر العاملة في المجال الإنساني.

ودعا إلى حث العالم ودول الجوار على تدارك هذه الكارثة الإنسانية الأكبر في القرن الحالي، والعمل على ممارسة الضغوط الكافية ودعوة المجتمع السوداني إلى إعلاء قيم التكافل والتعاضد لتجاوز هذه الأزمة.

واعتبر أنه على “على العالم أن يعمل على إيقاع أشد أنواع الضغوط والعقوبات على أي طرف من الأطراف يعيق فرص الوصول إلى وقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية، ولن نقف مكتوفي الأيدي والجوع يهدد شعبنا. سنطلب من الأمم المتحدة التدخل لحماية شعبنا وإنقاذه من الجوع.”

ووفق أحدث تقرير أصدره الأمن الغذائي في 27 يونيو/حزيران الماضي، فإن 25.6 مليون سوداني يعانون من الجوع الشديد، بينهم 755 ألف شخص في مرحلة المجاعة، ويقترب نحو 8.5 مليون شخص آخر من هذه المرحلة.

وخلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء لمناقشة الوضع في السودان، حذر مسؤولان أمميان خلال إحاطتين، من أن الوضع الإنساني في البلاد “ما زال يمثل كارثة مطلقة” وأن الظروف في مختلف أنحاء البلاد “مروعة وتزداد سوءا يوما بعد يوم”.

وقالت مديرة العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إيديم وسورنو، إن 26 مليون شخص في السودان يعانون من الجوع الحاد.

وتطرقت وسورنو إلى إعلان لجنة مراجعة المجاعة مطلع الشهر الجاري عن تفشي المجاعة في أجزاء من ولاية شمال دارفور السودانية خصوصا مخيم زمزم، قائلة: “هذه وصمة عار على ضميرنا الجماعي”.

تهديد وجودي للسودان

وأكد عثمان أن هذه الحرب تسير من منحدر إلى درك، وكل يوم يمر يمثل تهديدًا وجوديًا للسودان. مشيرا إلى أن خطابات الكراهية تجد من يرعاها ويبثها ويحتفي بها، والقتل على أساس الهوية وأبشع أنواع الجرائم والانتهاكات والعنف أصبح هو اللغة الأعلى صوتًا.

وقال، “لكن هناك قلة قليلة تعمل على استمرار الحرب حتى تحافظ على سلطتها وهيمنتها على موارد البلاد، حتى ولو تمزقت البلاد أو نزح أهلها، فهذا الأمر لا يهم هذه العصابة الإجرامية الإرهابية.”

وأضاف، “لكن على شعبنا أن يستنهض قوته وأن يتحلى بالشجاعة والإرادة لمواجهة خطابات الكراهية والعنف، وأن يعمل من أجل نشر روح المحبة.. فالسبيل لإنهاء هذه المعاناة هو السلام ولا شيء غيره.”

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.