شويكار.. صدفة فتحت أبواب الشهرة لـ«نجمة الكوميديا» (بروفايل)

في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، ولدت شويكار إبراهيم طوب صقال في 24 نوفمبر 1936 لعائلة ثرية.

منذ نعومة أظافرها، أبدت شويكار اهتمامًا بالفن، إلا أن بدايتها في عالم التمثيل لم تكن سهلة. دخلت عالم الفن صدفة بعد أن شجعتها بعض صديقاتها في المدرسة، فقررت الالتحاق بإحدى الفرق المسرحية الهاوية. كانت البداية بمثابة تحدٍ كبير لشابة تنتمي لعائلة محافظة في مجتمع يفرض قيودًا صارمة على النساء.

الصعود إلى النجومية

قدمت شويكار أول أدوارها السينمائية في الخمسينيات، وكانت تلك مجرد بداية لمشوار طويل مليء بالنجاحات. لفتت الأنظار منذ بداياتها بموهبتها الفذة في تجسيد الأدوار، حيث امتلكت قدرات فنية استثنائية أهلتها لتكون واحدة من أهم نجمات السينما المصرية. برعت شويكار في تقديم الكوميديا والتراجيديا على حد سواء، إذ كانت تستطيع التلون بين الأدوار الخفيفة والدور الجادة ببراعة نادرة.

أول تعاون لها مع الفنان فؤاد المهندس جاء من خلال مسرحية “أنا وهو وهي” عام 1962، ومنذ ذلك الحين شكل الثنائي واحدًا من أهم ثنائيات السينما والمسرح العربي. لم يكن هذا التعاون مجرد شراكة فنية فحسب، بل تحول إلى قصة حب وزواج جمع بين قلبيهما، ما أضاف لعلاقتهما الفنية بُعدًا عاطفيًا عميقًا. ولعبت شويكار دور البطولة في العديد من الأفلام الناجحة مع المهندس، منها “أخطر رجل في العالم” و”فيفا زلاطا”.

شويكار بين المسرح والسينما

تميزت شويكار بقدرتها الفائقة على التنقل بين المسرح والسينما دون أن تفقد بريقها في أي منهما. كان المسرح بالنسبة لها المكان الذي تستطيع فيه إطلاق العنان لموهبتها الكاملة، فكانت عروضها المسرحية دائمًا ما تلقى إشادة واسعة من الجمهور والنقاد. من بين المسرحيات التي تركت فيها بصمة لا تُنسى “سيدتي الجميلة”، حيث قدمت فيها دور البطولة إلى جانب فؤاد المهندس، واستطاعت أن تأسر قلوب المشاهدين بقدرتها على تجسيد الشخصيات المعقدة ببساطة وسلاسة.

أما في السينما، فقدمت شويكار أدوارًا متنوعة، تراوحت بين الكوميديا والدراما. لعبت دور البطولة في أفلام مثل “الراجل ده هيجنني” و”اعترافات زوج”، حيث أثبتت قدرتها على تقديم الشخصيات النسائية القوية والمستقلة. في المقابل، لم تتردد شويكار في قبول أدوار تراجيدية مثل دورها في فيلم “القاهرة 30″، الذي جسدت فيه شخصية المرأة المضطهدة التي تسعى لتحقيق ذاتها رغم التحديات.

موهبة لا مثيل لها

من الأسباب التي جعلت شويكار واحدة من أعظم نجمات السينما المصرية هو موهبتها الفطرية في التمثيل. كانت شويكار قادرة على إضفاء بعدٍ إنساني عميق على كل شخصية قدمتها، ما جعلها دائمًا قريبة من قلوب الجماهير. كانت تجيد قراءة النصوص وتحليل الشخصيات بعمق، وهو ما مكنها من تقديم أداءات استثنائية في معظم أعمالها.

بالإضافة إلى موهبتها التمثيلية، كانت شويكار تمتلك قدرات غنائية متميزة، حيث قدمت عدة أغانٍ في أفلامها ومسرحياتها. ورغم أنها لم تكن مطربة محترفة، إلا أن صوتها العذب وطريقتها الفريدة في الأداء جعلتها قادرة على إضافة لمسة موسيقية خاصة إلى أدوارها.

حياتها الشخصية وتحدياتها

رغم النجاح الكبير الذي حققته شويكار في حياتها المهنية، إلا أن حياتها الشخصية لم تكن خالية من التحديات. فقد مرت بعدة تجارب زواج، وكان أشهرها زواجها من فؤاد المهندس. ورغم الحب الكبير الذي جمعهما، إلا أن زواجهما انتهى بالطلاق، لكن العلاقة المهنية بينهما استمرت بعد ذلك بنفس القوة والتميز.

واجهت شويكار أيضًا تحديات صحية في سنواتها الأخيرة، حيث أصيبت بمرض في العمود الفقري، ما اضطرها للابتعاد عن الساحة الفنية لفترة. ورغم ذلك، لم تستسلم للألم، وظلت صامدة وقوية حتى وافتها المنية في 14 أغسطس 2020، تاركة وراءها إرثًا فنيًا خالدًا.

لم يكن رحيل شويكار مجرد فقدان لفنانة كبيرة، بل كان نهاية لحقبة من الفن الأصيل الذي قدمته لجمهورها على مدار أكثر من نصف قرن. لقد تركت وراءها إرثًا لا يُنسى من الأعمال الفنية التي ستظل محفورة في ذاكرة الأجيال.

قدمت شويكار خلال مشوارها الفني ما يزيد عن 170 عملًا فنيًا، تنوعت بين المسرحيات، والأفلام، والمسلسلات التلفزيونية. ولعل من بين أعظم إنجازاتها هو قدرتها على تقديم أدوار نسائية قوية ومستقلة في وقت كانت فيه السينما المصرية تفتقر إلى مثل هذه الأدوار.

تبقى شويكار رمزًا للفن الراقي والأصيل، وواحدة من أهم نجمات السينما والمسرح العربي. بفضل موهبتها الفريدة وقدرتها على تجسيد الشخصيات بصدق وعفوية، استطاعت أن تحجز لنفسها مكانًا في قلوب الملايين من محبي الفن. ورغم رحيلها، سيظل إرثها الفني حيًا يتوارثه الأجيال.