رغم التوترات.. قناة السويس الممر الملاحي الآمن لسلاسل الإمداد العالمية

على مر الزمان تظل قناة السويس هي الممر الأكثر مرونة والأقل تكلفة لسلاسل الإمداد العالمية والتوكيلات الملاحية الكبرى والتجارة الدولية

من هنا اعتبر تقرير نشره موقع “يوروآشيا ريفيو” أن الأزمات لطالما كانت الدافع وراء استكشاف الحلول الجديدة، لكنها دون جدوى فالعزوف أو الابتعاد عن قناة السويس المصرية يكلف العالم الكثير من النفقات ويعطل سلاسل الإمداد العالمية.

وبالتركيز على مسألة الممرات المائية، ذكر التقرير الذي كتبه الدكتور سليمان ولهاد أنه في العصور الوسطى عندما شعر الأوروبيون الأطلسيون، والبرتغاليون، وإسبانيا، الذين كانوا على اتصال وثيق بشمال أفريقيا وغرب آسيا، بأنهم في حاجة إلى استكشاف سبل جديدة للوصول إلى الشرق، وخاصة كاتاي (الصين) والهند، تجاوزوا ما اعتبروه تهديدات استراتيجية من البندقية والأتراك العثمانيين والإمبراطورية المغولية الشاسعة في آسيا الوسطى، ليبحثوا عن طرق انتقال جديدة.

وأبحر البرتغاليون لأول مرة، على طول الساحل الغربي لأفريقيا ووصلوا أخيرًا إلى الشرق، ثم تحرك الإسبان غربًا ليعثروا بالصدفة على الأمريكتين، والأراضي والشعوب التي لم تكن معروفة لهم في ذلك الوقت.

والآن، إذا انتقلنا إلى العصر والعالم المعاصرين، فسوف نجد أن القصة تتكرر. ويبدو أن الأمر يتعلق بدورة مدتها 600 عام، ونعود مرة أخرى لاستكشاف طرق تجارية جديدة إلى نفس الوجهات الشرقية من قبل الأوروبيين دون المرور عبر غرب آسيا.

أما الدافع الآن، فهو الاضطراب وعدم اليقين اللذين لا نهاية لهما ويحيطان بالطريق البحري التقليدي لقناة السويس/المحيط الهندي، والذي يمر أمام منطقة دول القرن الأفريقي. والممرات الجديدة متنوعة وتغطي مسافات شاسعة وبلدانًا متعددة، معظمها غير ساحلية. 

طرق بديلة لقناة السويس

وتشمل الطرق المقترحة العديدة مبادرة الحزام والطريق الصينية، وطريق بحر الشمال، الذي تهيمن عليه روسيا في الغالب، وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب بين روسيا والهند وإيران، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

وهناك أيضًا الممر الأوسط، الذي يتألف في حد ذاته من عدد من الأجزاء المكونة بما في ذلك مبادرة الممر عبر بحر قزوين شرقًا وغربًا وأوسطًا، وطريق النقل الدولي عبر بحر قزوين، وممر التجارة والترانزيت عبر القوقاز. 

العزوف عن قناة السويس يكلف الكثير

واعتبر التقرير أن الابتعاد عن قناة السويس/الممر المائي التقليدي عبر المحيط الهندي من شأنه أن يزيد من تكلفة البنية الأساسية للمنتجات التي تنتقل بين آسيا وأوروبا، إذ أنه أقصر طريق تجاري بين آسيا وأوروبا، باستثناء طريق بحر الشمال، وبالتالي فهو الأقل تكلفة.

وتم اقتراح العديد من الممرات ومشاريع البنية الأساسية لسنوات عديدة ولكن تم التخلي عنها لأسباب متعددة، ولكن في الغالب بسبب السياسات المتغيرة والحروب، والتكاليف الباهظة والوقت اللازم. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذه الممرات والبنية الأساسية المقترحة سوف تتحقق على الإطلاق. فالطريق الروسي الشمالي عبر بحر بارنتس وبحر كارا وبحر بيرنغ مثلا له عيوبه الخاصة بما في ذلك الخلاف السياسي بين روسيا وحلف شمال الأطلسي والبيئة القطبية الشمالية غير المضيافة.

منطقة القرن الأفريقي

أما منطقة القرن الأفريقي فهي تقدم موارد طبيعية كبيرة بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي، والذي يشمل من بين أمور أخرى أحد أكبر احتياطيات اليورانيوم في العالم واحتياطيات كبيرة من الهيدروكربونات البحرية والبرية، والتي من شأنها أن تنافس الأسواق مع دول غرب آسيا.

لكن مصالح غرب آسيا في المنطقة تنتهي هنا، حيث أنها لا تملك المعرفة، والوسائل و/أو الإذن من الدول الغربية للمس واستغلال هذه الموارد في المنطقة بمفردها. فثمة عائلات تم فرضها على سكان تلك البلدان، وتحتاج إلى حماية دول أخرى، مهما كانت، للبقاء في السلطة.

ولا يمكن تنمية موارد المنطقة إلا بتواطؤ واستثمارات الدول الغربية أو في هذا الشأن مع الدول الشرقية والشمالية. والمنطقة نفسها ليست مجهزة لاستغلال هذه الموارد بمفردها لأسباب عديدة.

توترات سياسية في الغرب الأفريقي

واعتبر التقرير أن استمرار التورط السلبي لدول غرب آسيا في المنطقة لن يساهم إلا في تقويض أمنها على المدى الطويل، حيث يسعى صناع القرار الإقليميون والغربيون إلى الحد من نفوذ هذه الدول وتطوير قوى المساومة في المنطقة.

لقد كان هناك مسار جديد نحو الأفضل في دبلوماسية المنطقة حتى وقت قريب، عندما فجأة، من خلال تدخل بعض دول غرب آسيا، وجدت العلاقات بين المكونين الأكثر أهمية في المنطقة، وهما الصومال بساحلها الطويل وإثيوبيا بسكانها الضخمين والمتنوعين، نفسها فجأة في حلق بعضها البعض من خلال عمل إحدى دول غرب آسيا.

ومن حسن الحظ أن هذا لم يؤد إلى حرب مفتوحة على الرغم من أن الأمور تحولت إلى أكثر بشاعة مما كان متوقعًا، لكن الحكمة سادت حتى الآن للابتعاد عن الاشتباكات العسكرية العلنية. تجري المفاوضات حاليًا، من خلال أطراف ثالثة، لإطفاء الحرائق التي تم التخطيط لإشعالها في المنطقة، من خارج المنطقة. 

إن الدبلوماسية التنموية أصبحت الآن في احتياج أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط لتهدئة الحرائق القديمة، بل وأيضاً لخلق مبادرات جديدة تعود بالنفع على المنطقة بأسرها، وبالتالي على العالم. ولا شك أن السلام في منطقة القرن الأفريقي والعمل المشترك من شأنه أن يساعد في حماية الملاحة في الممر المائي المهم لقناة السويس/المحيط الهندي.

لذلك، فمن المهم أن تعمل الجهات الفاعلة في مجال التنمية، بما في ذلك المؤسسات المتعددة الأطراف، مع المنطقة ومساعدتها في تحقيق إمكاناتها المتمثلة في اقتصاد سلمي ومزدهر ومتطور اقتصادياً.