رئيس وزراء السنغال في مالي.. الزيارة مفاجئة و«المهمة صعبة»

زيارة مفاجئة يجريها رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو إلى مالي، تحاول من خلالها داكار إعادة أحد أضلاع مثلث الساحل إلى بيت «إيكواس».

مهمة تبدو صعبة، وفق خبراء، ممن يعتقدون أن إحداث اختراق في هذا الملف بإقناع باماكو بكسر تحالفها مع كل من بوركينا فاسو والنيجر، أمر بالغ التعقيد إن لم يكن مستحيلا.

لكن ماذا لو كان العكس هو ما يجري وراء الأبواب المغلقة؟ أي ماذا لو أن سونكو يطرق أبواب كونفيدرالية عسكر الساحل من بوابة مالي؟

سونكو الذي حضر تنصيب الرئيس الرواندي بول كاغامي أمس الإثنين، توجه دون إعلان مسبق إلى مالي، واجتمع برئيس المجلس العسكري العقيد أسيمي غويتا.

وعقب اللقاء، قال رئيس الوزراء السنغالي إن «داكار وباماكو متحدتان عندما يتعلق الأمر بالحقائق التي تتطلب منا الاستمرار في التعاون على جميع المستويات».

وأضاف: «أغادر وأنا على يقين بأنه لدينا نفس الفهم تماما لما يجب أن تكون عليه العلاقات»، وقدم تأكيداته لباماكو بأن لا أحد سيمر عبر السنغال لزعزعة استقرار مالي أو فرض عقوبات عليها.

كما ندد بالحظر الذي «فرضته الدول الشقيقة على مالي»، معتبرا أنه «لسوء الحظ حدث هذا الحظر من قبل بلادنا في عهد الرئيس السابق ماكي سال».

هل تنجح؟

تأتي زيارة سونكو المفاجئة إلى مالي في إطار محاولة داكار التوسط لعودة دول المثلث الساحلي (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) إلى منظمة إيكواس من جديد.

وتأتي المساعي بعد تأكيد الرئيس السنغالي باسيرو فاي أن الموقف المالي رغم تشدده، إلا أنه ليس جامدا تماما، وأنه لم يفقد الأمل في أن يرى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) قائمة على أسس جديدة، لتجنب الوضع الحالي الذي تمر به بلدان المنطقة.

فهل ستنجح السنغال التي شهدت تحولا ديمقراطيا سلسا، في إقناع دول المثلث الساحلي التي شهدت انقلابات عسكرية في السنوات الأخيرة، وكونت كونفدرالية موازية لـ«ايكواس» للعودة إليها من جديد؟

في قراءته للموضوع، يرى الدكتور محمد المختار جي، رئيس الرابطة العربية الأفريقية بالسنغال، أن زيارة سونكو تعد المحطة الرسمية الأولى له خارج السنغال منذ انتخاب حزبه (باستيف) لحكم البلاد.

ويقول جي، في حديثه لـ«»، إنها زيارة مهمة ذات أبعاد سياسية وثقافية واقتصادية، وذلك لتعزبر العلاقات ببن البلدين التي تجمعها أواصر الأخوة التاريخية والجغرافية.

وأضاف أن الزيارة تؤشر إلى «رغبة الحكومة السنغالية الجديدة في مساندة ودعم حكومة مالي التي تعيش حاليا أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ومحاولة إيجاد حلول لها».

وتابع أنها تهدف إلى تسوية المشاكل التي تعيشها مالي وبوركينا فاسو والنيجر مع «إيكواس»، وانشقاقهم من هذه المجموعة الإقليمية.

كما رأى أنها تهدف لبحث سبل التعاون بين البلدين لإيجاد سياسة جديدة نحو الاستقلال من التبعية وهيمنة فرنسا على أفريقيا وثرواتها الطبيعية، موضحا أن الزيارة لها أبعاد ودلالات كثيرة خاصة في الرغبة بين البلدين في الاستقلال التام من التبعية الفرنسية سياسيًا وثقافيًا واقتصاديا.

وبحسب الخبير، فإن هناك «وساطات دولية خاصة وساطة الرئيس السنغالي الذي يقوم بجهود لإقناع الحكومات المنشقة من إكواس للرجوع إليها»، مؤكدا أنه صعب جدًا في الوقت الحالي إقناع حكومة مالي بالعودة إلى المجموعة.

وسبق أن فرضت «إيكواس» عقوبات صارمة على مالي بعد انقلاب جاء بغويتا إلى السلطة عام 2020، لكنها رفعتها بعد عامين.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو انسحابها من «إيكواس»، متهمة التكتل بالتبعية لفرنسا، المستعمر السابق، وعدم بذل ما يكفي من الجهود لمساعدتها في مكافحة الإرهاب.

«ليس سهلا»

من جهته، يعتبر محمد أغ اسماعيل، الباحث المالي في العلوم السياسية، أن الزيارة تأتي في إطار نتائج المواجهة التي دارت بين الجيش المالي والحركات الأزوادية الانفصالية في منطقة “تينزواتن” الحدودية مع الجزائر.

كما تأتي، وفق أغ إسماعيل، في حديثه لـ«»، على وقع ما تلا ذلك من ردود أفعال كتلك المتعلقة بنشر السفير الأوكراني بداكار فيديو مقتل عناصر من مجموعة فاغنر في مالي.

ويقول أغ إسماعيل إن الزيارة جاءت لطمأنة باماكو بأن السنغال ليست مسرحا للمواجهة الغربية الروسية في أفريقيا، وأن ما حدث من السفير لن يتكرر.

وأشار في نفس الوقت، إلى أن رئيس الوزراء السنغالي يستثمر الزيارة للاطلاع على الرؤية المالية لوساطة الرئيس السنغالي في ملف العودة إلى «إيكواس»، مؤكدا أنه «ليس سهلا إقناع باماكو بالعودة».

ومستدركا: «إلا إذا حدثت تفاهمات بين روسيا والغرب»، لافتا إلى أن الأمر غير مرتبط بدول المنظمة بقدر ارتباطه بالدول الكبرى، ومستبعدا في الوقت نفسه انضمام السنغال إلى كونفدرالية دول المثلث الساحلي.

وبحسب الباحث، فإن «سونكو نفسه أكد أن بلاده غير مستعدة للانضمام إلى الكونفدرالية، وأن رئيس الوزراء السنغالي أوضح أن الأفريقانية بالنسبة له تستوجب السعي إلى وحدة الأفارقة مع الاختلاف في الرؤى بدلا من الانقسام والتشتت».

«خطوة استباقية؟»

أما الكاتب الصحفي السنغالي تيرنو بشير، فيعقد أن الزيارة تشكل «امتدادا للرؤية السياسية الخارجية للسلطات السنغالية.

وقال بشير لـ «»، إن الزيارة «تعتبر خطوة مهمة، ولعلها ستكون استباقية للمهمة التي أسندت للرئيس السنغالي خلال القمة السابقة لمنظمة إيكواس، والتي اقترحت أن يلعب الرئيس السنغالي دور الوساطة لحل الأزمة بين المنظمة والسلطات العسكرية في الدول الثلاث».

وبالنسبة له، فإن «سونكو سيحاول في هذه الزيارة إقناع السلطات في مالي للعودة لإيكواس»، لكنه توقع أن الزيارة لن تغير شيئا في موقف السنغال داخل المنظمة.

وأشار إلى أنها مواقف دبلوماسية منذ اندلاع الأزمات التي مرت بها المنطقة بشكل كامل من الانقلابات العسكرية المتكررة، لافتا إلى أن داكار تدعم جميع الجهود التي تعزز الديمقراطية الصاعدة داخل إيكواس.

كما اعتبر أن السنغال تدعم الجهود الإقليمية لمواجهة التحديات الإقتصادية والأمنية بالمنطقة، مستبعدا انضمامها لكونفدرالية الدول الثلاث.

وأوضح أنها ليست المرة الأولى التي تسند فيها للسنغال مهمة حلحلة الأزمات، متوقعا أن تحاول داكار، عبر زيارات لرئيسها للدول الثلاث، إنجاز مهمتها وإن «يظل هذا الأمر صعبا»، على حد تعبيره.

زيارة ضرورية

من جهته، يقول الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين، مدير جامعة الميغلي الأهلية الدولية بالنيجر، إن «الزيارة ضرورية».

ويوضح الأمين لـ«»، أن الزيارة تأتي بحكم الجوار بين مالي والسنغال والحدود المشتركة بينهما والتي تبلغ نحو 500 كيلومتر، ولهما علاقات تاريخية وهنالك الكثير من المصالح التي تربط بينهما في كافة المجالات،.

ويلفت الخبير إلى التغيرات التي تشهدها المنطقة والتي على رأسها كونفدرالية الدول الثلاث، وما تعيشه مالي من أوضاع أمنية غير مستقرة، وكذلك الصراع الدولي في المنطقة.

وخلص إلى أن «كل هذه التغيرات تستوجب وساطة دولة كالسنغال باعتبارها طرفا تثق فيه فرنسا كثيرا»، مشددا على «ضرورة أن تقرأ الزيارة في هذا الإطار، وربما بعد هذه الزيارة والزيارات المتوقعة للنيجر وبوركينا فاسو للتباحث حول الكونفدرالية». لكنه توقع أن السنغال لن تنضم للتحالف.

مرحلة تاريخية

بحسب محمد الأمين، فإن السنغال غير قادرة على إعادة مالي إلى إيكواس، معتبرا أن هذا أمر «مستحيل الآن».

وقال إن «إيكواس أصبحت مرحلة تاريخية لهذه الدولة، مرت وانتهت»، مضيفا أن الدول الثلاث لايمكن أن تقتنع بالعودة للمنظمة الإقليمية.

وأكد أن الشعوب الأفريقية في المنطقة تشجع الدول الثلاث في مسألة مغادرة إيكواس وإنشاء تحالف».

واعتبر أن «العودة معناها أن الجهود التي بذلت وتم تركها، ستكون أضرارها أكبر بكثير»، مشيرا إلى أن «الكونفدرالية تتحرك بشكل قوي، والدول بدأت تتجه إليها، وتحاول أن تكسب علاقات معها، كما أن الدول الثلاث بدأت تمد جسور تواصل معها أيضا».