ثورة تعديلات الثانوية العامة في مصر.. حرب على «أدق التفاصيل»

ضجة واسعة أثارتها قرارات وزارة التربية والتعليم في مصر بإعادة هيكلة نظام الدراسة في الثانوية العامة، والذي شهد تقليص بعض المواد ودمج أخرى.

ومنذ إعلان وزير التربية والتعليم المصري محمد عبداللطيف، الأربعاء، قرارات إعادة هيكلة نظام الثانوية العامة، ورؤيته لحل أزمة نقص المعلمين والكثافة المدرسية والغياب، يشهد الشارع المصري حالة من التخبط والانقسام بين مؤيد ومعارض للرؤية الجديدة.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات الطلاب وأولياء الأمور، التي تنوعت بين مؤيد للقرار ومعارض ومستفسر عن بعض التفاصيل، فيما علت أصوات مدرسي المواد التي خرجت من مجموع الثانوية العامة ترفض القرار جملة وتفصيلا، وكل له سببه.

قرارات وزير التعليم بشأن الثانوية العامة في مصر

قرر محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، إعادة هيكلة مناهج الثانوية العامة بدءًا من العام الدراسي المقبل 2024 /2025، لتصبح مواد كل سنة دراسية كالتالي:

الصف الأول الثانوي: (اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – التاريخ – الرياضيات – العلوم المتكاملة – الفلسفة والمنطق)، بالإضافة للمواد غير المضافة للمجموع (التربية الدينية – اللغة الأجنبية الثانية)، وهي مواد نجاح ورسوب.

الصف الثاني الثانوي أدبي: (اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – التاريخ – الجغرافيا – علم النفس – الرياضيات).

الصف الثاني الثانوي علمي: (اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – الرياضيات – الأحياء – الكيمياء – الفيزياء).

الصف الثالث الثانوي: أصبحت مادتي اللغة الأجنبية الثانية والجيولوجيا وعلوم البيئة وعلم النفس واللغة الأجنبية الثانية من مواد النجاح والرسوب غير المضافة للمجموع لطلاب جميع الشعب، ويدرس الطلاب ما يلي:

الصف الثالث الثانوي (علمي علوم): (اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – الأحياء – الكيمياء – الفيزياء).

الصف الثالث الثانوي (علمي رياضة): (اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – الرياضيات – الكيمياء – الفيزياء).

الصف الثالث الثانوي (أدبي): (اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – التاريخ – الجغرافيا – الإحصاء).

وقال عبداللطيف، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بحضور الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، إن الوزارة تحتاج ما يزيد على 250 ألف فصل جديد، وما يقرب من 469 ألف معلم لسد عجز المعلمين الذي تعاني منه المدارس المصرية في مختلف الصفوف الدراسية.

وقال الوزير إن رؤية الوزارة لمواجهة هذه التحديات جاءت في ضوء التأسيس لمشروعات تطوير التعليم، واستكمالًا لما سبق من جهود، كما جاءت بعد مشاركة جميع أطراف العملية التعليمية في صياغة هذه الرؤية، من واقع زيارات ميدانية، واجتماعات مع أكثر من 200 مدير إدارة تعليمية.

وقررت وزارة التعليم المصرية حل أزمة كثافة الفصول من خلال حصر الفراغات التعليمية بواسطة هيئة الأبنية التعليمية، لاستغلال هذه الفراغات في إقامة فصول.

إلى جانب نقل المدارس الثانوية إلى الفترة المسائية، لتكون في الصباح مكانًا يمكن استغلاله للمدارس الإعدادية، والتي ستصبح هي الأخرى مستغلة من المدارس الابتدائية، على أن يكون في الأمر مرونة بحسب الإدارات التعليمية التي ستتعامل مع الأمر وفق احتياجاتها.

أيضا قررت الوزارة زيادة عدد أيام الدراسة لتصبح خمسة أيام تعليم أكاديمي بدلًا من أربعة، إضافة إلى يوم سادس للأنشطة.

وشملت القرارات استخدام فكرة الفصل المتحرك المعمول بها في أغلب دول العالم، من خلال تحريك فصل في المرحلة ليكون في غرفة نشاط أو تربية رياضية، ما يساعد على تقليل الكثافات.

وأكدت الوزير استمرار تطبيق المبادرة الرئاسية لتعيين 30 ألف معلم سنويًا، موضحا أن الوزارة ستعمل على تفعيل قانون مد الخدمة، وهو القانون 15 لسنة 2024 من أجل الاستفادة من خبرة المعلمين الذين بلغوا سن المعاش.

وكشف عن التعاقد مع 50 ألف معلم بالحصة في مختلف الإدارات التعليمية حسب حاجتها، مع توجيه الإدارات لإعادة توزيع أنصبة الحصص للمواد والمعلمين لتجنب الهدر الذي تشكو منه بعض الإدارات.

وتحدث عن زيادة الفترة الزمنية الفعلية للتدريس من 23 أسبوعا إلى 31 أسبوعا، إضافة لزيادة الحصص بمقدار 5 دقائق، وهو ما يرفع من قدرة التدريس بنسبة 33 %.

ردود فعل أولياء الأمور والطلاب

أثار إعلان الوزير المصري تدريس 5 مواد في كل شعبة في الثانوية العامة 2024-2025 علمي علوم ورياضة وأدبي حالة من الجدل بين الطلاب وأولياء الأمور، إذ انقسموا بين مؤيد ومعارض.

ورغم أن البعض رأى أن القرار إيجابي في مجمله وهدفه تخفيف الضغط على أولياء الأمور في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فإن البعض الآخر اعترض على توقيت وفحوى القرار، معتبرا أنه كان يجب دراسة القرار بشكل مجتمعي، خصوصا أنه يتحكم في مصير ومستقبل آلاف الطلاب.

وقالت ولي أمر طالبة تدعى إيمان السيد: “أنا شايفة إنه خفف الضغط شوية من على الولاد، القرار كويس طبعا، أنا مش فاهمة الناس اللي بتقول ليه يقلل، بس طبعا مافيا المدرسين هتحارب التغيير لأن فيه مواد اتشالت من المجموع هتسبب لهم أزمه رهيبة زي الجيولوجيا مثلا”.

وأشادت مدرسة تدعى إيمان محمود بخطة الوزارة لمواجهة وحل أزمة الكثافة الطلابية وعجز المعلمين، معتبرة أن خطة إعادة هيكلة الثانوية العامة ترفع العبء عن كاهل الطلاب وأولياء الأمور بنسبة كبيرة.

بينما رأى أحمد السيد، مدرس وولي أمر ان “القرارات ليست في صالح الطالب وبها تخبط كبير لأن الكثير من الطلاب تعتمد في المجموع على مواد علم النفس التي كثير من الطلاب يحصلون على درجتها كاملة، وأيضا اللغة الأجنبية الثانية. كيف يتم خروجهما من المجموع”.

وقالت فاتن أحمد، المسؤولة عن “ائتلاف تحيا مصر بالتعليم”، إن قرارات وزير التربية والتعليم بشأن الثانوية العامة جاءت مُفاجئة وغامضة لأولياء الأمور .

وأضافت: “النظام أشبه بالأنظمة المتعارف عليها (الآي جي والأمريكان)، ولكن لا بد أن يكون التطبيق جيدًا فبالنسبة للمواد التي أصبحت خارج المجموع فلابد من تنظيم العملية الامتحانية فيها، ولا بد أن تكون امتحانات مباشرة وسهلة جدًا ومضمونة النجاح أو استبدالها ببحث أو نشاط”.

وطرحت غادة النوبي، مسؤولة جروب “أبطال الثانوية العامة 2025” بعض الأسئلة بشأن القرارات الجديدة، وقالت: “هل سوف يوجد منهج جديد للتاريخ للصف الأول الثانوي أم نفس المنهج القديم؟ هل منهج الجغرافيا في الصف الثاني الثانوي سيكون مدمجا في منهج أولى وثانية ثانوي أم منهج جديد تماماً؟ بعد ضم الفيزياء والكيمياء والأحياء هل سيكون هناك منهج جديد أم مجرد حذف فصول ومن الذي سيقوم بتدريس تلك المواد هل مدرس الفيزياء أم الكيمياء أم الأحياء؟”.

وتابعت: “بعد قرار خمس أيام دراسة ويوم أنشطة هل معنى ذلك إلغاء إجازة السبت؟ هل سوف تظل نظام امتحانات الثانوية العامة كما هي بابل شيت؟”، مطالبة بتوضيح الكثير من التفاصيل.

وسلطت مؤسس جروب “مصر والتعليم” أميرة يونس، الضوء على حالة القلق التي أصابت أولياء الأمور، وقالت: “سادت حالة قلق بين أولياء الأمور من هذه القرارات، خاصة وأن الكلام ممتاز ولكن التنفيذ علي أرض الواقع هو الأصعب ويبقي الطالب أمام الأمر الواقع”.

وانتقدت يونس فكرة وضع أعمال السنة 40 درجة في يد المدرس، مؤكدة أنها تستخدم من بعض المعلمين كأداة للضغط علي الطالب داخل الفصل من أجل الدروس الخصوصية وإرضاء لمدرس الفصل.

وتابعت: “فكرة التراكمية من الصف الأول إلى الثالث الثانوي يرفضها الجميع لأنها عبء أكثر علي الطالب وولي الامر للبحث عن الدروس والدرجات، كما أن الحلول المقترحة لكثافة الفصول لا يمكن تقييمها الآن إلا بعد تنفيذها في المدارس”.

وقالت رودي نبيل “مؤسس ائتلاف معا لغد مشرق”: “لكي يحدث تغيير حقيقي كان لا بد لوزارة التربية والتعليم أن تعلن تغيير منظومة امتحانات الثانوية وإلا سيبقي الوضع على ما هو عليه، وكنّا ننتظر من الوزارة أن تعلن إلغاء نظام “البابل شيت” في امتحانات الثانوية العامة بعد أن اثبت أنه أحدث طفرة في الغش”.

وتابعت: “كنا ننتظر أيضاً من وزارة التربية والتعليم أن تحدثنا عن قرارات تضمن القضاء على الأخطاء المتعلقة بالتصحيح الإلكتروني، حتى لا يتكرر ما حدث في السؤال رقم 34 الشهير في امتحان الفيزياء الذي تسبب في تعديل نتيجة الثانوية العامة بعد اعتمادها بأسبوع”.

ردود فعل مدرسي المواد الملغية

حالة من الصدمة أصابت معلمي الجيولوجيا والتاريخ والجغرافيا واللغات بعد قرارات الوزارة بإلغاء بعض المواد من المواد الأساسية المضافة للمجموع ودمج مواد أخرى.

قال محمد نصير، معلم الفلسفة: “رغم قرار الوزير، تظل الفلسفة أم العلوم، وتظل الحكمة في الفلسفة، تظل تخصص نجيب محفوظ”.

وعلق أحمد إسماعيل، معلم جيولوجيا، على قرار استبعاد الجيولوجيا من المواد المضافة إلى مجموع امتحانات الثانوية العامة في المراحل المختلفة.

وكتب إسماعيل، عبر حسابه على “فيسبوك”: “تنبيه هام طلابي الأعزاء، كانت رحلتي معكم هذا العام قصيرة بقدر الله وإرادته، لكن رب الخير لا يأتي إلا بالخير، وأتمنى لكم التوفيق في هذا العام المصيري في مستقبلكم”.

ووضع مدرس اللغة الفرنسية للمرحلة الثانوية ماجد سامي كان أصعب، إذ أكد أن هذا القرار يعرضه لخسائر مالية كبيرة بعد 30 عاما من العمل في هذا المجال.

ونقلت تقارير محلية عن سامي قوله: “أنا مدرس لغة فرنسية لمرحلة الثانوية العامة لمدة 30 عاما، منذ بداية تدريسي وأنا أساهم في نجاح الطلاب وتحقيقهم للدرجات النهائية في مادتي”.

وأوضح أنه كان يعتمد بشكل كبير على طلاب الثانوية العامة في تحسين دخله المادي، ومع خروج المادة من المجموع، أصبحت الأمور أصعب بكثير.

واتفق معه فؤاد النجار، مدرس اللغة الفرنسية بالثانوية العامة، قائلا: “عاوز حد يرد عليا ويقولي أعمل إيه؟ تعب السنين ضاع في لحظة، مش هعلق على قرارات الحكومة بس دروس الفرنساوي هي مصدر رزقي الوحيد، مش عارف مصيري بعد القرار ده إيه”.

ما هو مصير مدرسي الفلسفة وعلم النفس والجيولوجيا في مصر؟

كشف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، خلال المؤتمر الصحفي، مصير المعلمين بعد إلغاء بعض المواد بالثانوية العامة، نافيا أن يتم الاستغناء عن أي منهم، مؤكدا أن المواد كلها لا زالت قائمة، ولكن تم حذفها في بعض الصفوف الدراسية، وبالتالي لا استغناء عن أي مدرس.

وتقدمت النائبة المصرية سحر العشري، عضو مجلس النواب، بسؤال برلماني بشأن مصير مدرسي المواد الملغاة في الثانوية العامة، وكيف جاء القرار بعد طباعة الكتب الدراسية؟.

وقالت العشري إن الحكومة أعلنت في قراراتها الأخيرة الخاصة بهيكلة نظام الثانوية العامة للعام الدراسي الجديد إلغاء مواد ودمج أخرى وخروج مواد أساسية خارج المجموع الكلي للطلاب دون توضيح بعض الأمور المهمة.

 وتابعت: “ما مصير مدرسي المواد التي استُبعدت خارج المجموع الكلي مثل الفرنساوي والألماني، والتي تم إلغاؤها أيضا مثل الجيولوجيا وعلم النفس والفلسفة”.

وأثنى الخبير التربوي تامر شوقي على قرارات التعليم بإعادة هيكلة نظام الثانوية العامة، موضحا أن تقليص عدد مواد الثانوية العامة يتيح للطالب الوقت الكافي لممارسة الأنشطة المختلفة من التربية الرياضية وغيرها، من خلال زيادة درجات الحضور في المدارس.

وقال شوقي، خلال مداخلة هاتفية في برنامج “صالة التحرير” على قناة “صدى البلد”، إنه فيما يتعلق بمصير مدرسي الفلسفة والمنطق وعلم النفس، فإن كافة المواد الدراسية موجودة، ولا يوجد إلغاء لأي مادة دراسية على الإطلاق، مؤكدًا أنه سيتم تسكين المدرسين في أماكنهم بشكل منظم بدءًا من العام الدراسي الجديد.

وأكد الخبير التربوي أن هذه القرارات تواجه هجومًا كبيرًا من مدرسي الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية الخاصة؛ لأنها ستقضي على ما كانوا يفعلونه طوال السنوات الماضية.

تعديل نظام الثانوية العامة في مصر خلال عقود

تملك مصر أكبر نظام تعليمي على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تُقدم خدمات التعليم لأكثر من 46000 مدرسة حكومية و7000 مدرسة خاصة، بإجمالي 25 مليونا و494 ألف طالب ولديها 550 ألف فصل دراسي.

ورغم هذه المنظومة الضخمة ذات التاريخ العريق لا يزال نظام الثانوية العامة بمثابة “صداع” لأي وزير يتولى المنصب، إذ شهدت البلاد تعديلات على نظام الثانوية العامة بلغت نحو 15 مرة خلال 7 عقود تقريبا، تحديدا منذ صدور القانون رقم 211 لسنة 1953 لتنظيم التعليم الثانوي.

هذه التعديلات كانت دائما مثار جدل واسع بين أطياف المجتمع، إذ يرى البعض أن كل وزير يتولى المنصب يغير الاستراتيجية طبقا لرؤيته دون مراعاة مخاوف أولياء الأمور والطلاب.

وقبل التعديلات المعلنة الأربعاء، أعلن الوزير الأسبق طارق شوقي نظام الثانوية العامة الجديد في سبتمبر/أيلول 2018، ومن أبرز ملامح التغيير التي طرأت على الثانوية العامة: اعتماد نظام “البابل شيت” والكتاب المفتوح في الامتحانات، واستخدام أجهزة الحاسب اللوحي (التابلت)، والتصحيح الإلكتروني لأوراق الإجابة عام 2021.

وقبل 11 عاما، قررت وزارة التربية والتعليم المصرية تطبيق نظام جديد للثانوية العامة، لتكون سنة واحدة بدلاً من سنتين، ومن قبل كانت سنوات الدراسة في الثانوية العامة 4 سنوات في بدايات القرن الماضي، وزادت إلى خمسة لاحقاً، ثم تراجعت إلى ثلاث سنوات عام 1977.

وفي عام 1991 أدخلت المواد الاختيارية ومواد المستوى الرفيع التي تسببت في زيادة كبيرة في مجموع الطلاب ليتخطى بعضها الدرجة الكاملة للمادة. وعام 1994 تحولت الدراسة في الشهادة الثانوية إلى النظام الممتد بين العامين الثاني والثالث الثانويين.