تونس ومغامرة «الاعتماد على الذات».. نجاح جديد بدون وصاية «صندوق النقد»

تواصل تونس المضي في طريقها الخاص الذي رسمته بنفسها لإنقاذ اقتصاها المأزوم بعيدا عن وصايا صندوق النقد الدولي ووصايته على برنامجها الإصلاحي.

ففي يوم الإثنين الماضي، أعلنت البلاد أنها سجلت فائضا في الموازنة العامة للدولة بقيمة 155 مليون دولار بالرغم من التحديات الصعبة التي يواجهها الاقتصاد.

وحسب بيانات أصدرتها وزارة المالية التونسية يوم الإثنين الماضي، فإن رصيد الميزانية سجل فائضا بقيمة 488.7 مليون دينار (ما يعادل 155 مليون دولار) مع نهاية يونيو/ حزيران الماضي، مقابل 26.3 مليون دينار خلال الفترة نفسها من عام 2023.

ووفق البيانات، فإن هذا التطور يعود لارتفاع موارد الميزانية بنسبة 13%، لتناهز 23254.6 مليون دينار في يونيو/ حزيران، بفضل ارتفاع المداخيل الجبائية بالأساس (زيادة بنسبة 10.3% أيّ 20870.1 مليون دينار).

فيما أظهرت الأرقام ارتفاع نفقات التمويل ونفقات التأجير ونفقات التسيير ونفقات التدخلات، مقابل تراجعت نفقات العمليات المالية، ونفقات الاستثمار.

الحياة بعيدا عن “الصندوق”

ولطالما أعرب الرئيس التونسي قيس سعيد عن رفضه “إملاءات” لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، داعياً إلى “الاعتماد على النفس”.

وقال سعيد في مناسبات إن “إملاءات المقرضين غير مقبولة. وإن خفض الدعم أدى إلى احتجاجات سقط فيها قتلى في تونس سابقاً”، مضيفاً أن “السلم الاجتماعي ليس لعبة”.

وأفاد بأن تونس تريد الإصلاح من أجل إنقاذ اقتصادها الوطني وإنقاذ مؤسساتها الحكومية لكنها ترفض في ذات الوقت أي شروط أو إملاءات تفرض عليها من قبل صندوق النقد الدولي تضر بمصالحها وتهدد السلم الأهلي في البلاد.

وترفض تونس تنفيذ إصلاحات يطلبها صندوق النقد الدولي من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي لقرض بقيمة 1.9 مليار دولار بدأت المفاوضات بشأنه منذ عام 2022 وتعتبرها إملاءات تفرض عليها.

ومع ذلك تمر تونس بوضع اقتصادي صعب إذ بلغت نسبة النمو نحو 1.3% خلال العام 2023 فيما وصلت نسبة البطالة إلى 16%، وتشكل ديونها 80% من الناتج المحلي الإجمالي ما تسبب في ضغط كبير والدخول في حالة تقشف ترتب عليها صعوبة في التزود بالمواد الأساسية وارتفاع كبير في الأسعار.

التقشف والضرائب.. مثال عملي للاعتماد على الذات

ويرى خبراء الاقتصاد في تونس بأن الوضع الاقتصادي في البلاد يحاول الخروج من أزمته بفضل سياسة التقشف والتعويل على الذات التي تنتهجها الحكومة التونسية.

وأكد الخبير الاقتصادي حسن عبد الرحمن تحسن مؤشرات الاقتصاد في البلاد رغم المصاعب الاقتصادية التي تعيشها تونس في ظل عدم موافقة صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار والذي كان سيفتح أمام الاقتصاد أبوابا للخروج للسوق العالمية.

وقال لـ”” إن سبب تحسن المؤشرات الاقتصادية هو ارتفاع ايرادات الضرائب إضافة لارتفاع قيمة الإيرادات من القطاع السياحي فضلا عن تحويلات التونسيين بالخارج، وتحسن قطاع الفسفات وارتفاع قيمة ايرادات تصدير زيت الزيتون والتمور.

وأشار إلى أن تسجيل تونس لهذا الفائض من الموازنة مهم لكن الاقتصاد يحتاج لإصلاح في العمق، فهناك إصلاحات هيكلية أخرى يجب القيام بها في ميدان تحفيز الاستثمار وتشجيع المستثمرين، وإرساء مناخ جيد لهم.

من جهة أخرى قال استاذ الاقتصاد التونسي هيثم حواص إن ميزانية الدولة تستعيد توازناتها واصفا ذلك بالأمر الجيد الذي يحتاج من الدولة الاشتغال عليه أكثر.

هل عبرت تونس أخطارها؟

وأكد لـ”” أن الدولة التونسية تستعيد عافيتها باعتبار أنها حققت فائضا بالموارد فاقت الاستعمالات والنفقات موضحا أن موارد الدولة للسنة الحالية متأتية أساسا من الجباية، باعتبارها عولت على مواردها الذاتية نظرا لرفض الرئيس التونسي قيس سعيد شروط قرض الصندوق النقد الدولي واعتبرها املاءات تهدد السلم الأهلي.

وأشار إلى أن وضعية تونس حاليا إيجابية مقارنة بالسنة الماضي وأن التعافي دائم خلال السنوات المقبلة لكن وجب الإصلاح والانفتاح أكثر على الاستثمار إلى جانب ضرورة الاهتمام بقطاع الفسفات الذي عرف ركودا رهيبا خلال العشر سنوات الماضية.

وقال فتحي زهير النوري محافظ البنك المركزي التونسي مؤخرا إن الاقتصاد التونسي قد “أثبت قدرة ملحوظة على الصمود”، مضيفًا: “حتى وإن كانت التوقعات ترجح تسجيل نسبة نمو في حدود 1.4%، فإن آفاق التحسن الاقتصادي ستمكن من تجاوز هذه النسبة المقدرة”.

واعتبر النوري أن الوضعية هي بمثابة “مسار استعادة للنمو”، وأن جهود البنك المركزي التونسي لضمان مستوى مطمئن للمدخرات من العملة والتحكم في التضخم، وتسير في هذا المسار.