انتهت الهدنة الأولمبية في السياسة الفرنسية.. هل تعود باريس للاضطراب؟

خلال الألعاب الأولمبية القديمة في اليونان، أرسل رسل إلى كل مكان لإعلان الهدنة الأولمبية، في اتفاق حظر أي حرب أثناء الألعاب، في وضع مشابه ساد فرنسا مؤخرًا.

فالسياسة الفرنسية، التي كانت في حالة من الاضطراب في الفترة التي سبقت أولمبياد باريس، أوقفت مناوشاتها خلالها ذلك الحدث الرياضي، إلا أنه مع انتهائه، بدأ هذا الهدوء السياسي المؤقت في التبدد، وعادت الأسئلة إلى الظهور حول ما ينتظر البرلمان الفرنسي وأجندة السياسة الخارجية للرئيس إيمانويل ماكرون، فضلاً عن كيف يمكن للتغييرات في باريس أن يكون لها آثار أوسع على الاتحاد الأوروبي.

فما هو التالي بالنسبة للبرلمان؟

يقول المجلس الأطلسي، إن الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في السابع من يوليو/تموز تركت فرنسا بثلاث كتل مختلفة من الأجندات المتنافسة.

ومع انتهاء «الهدنة السياسية» الأولمبية، أصبح تعيين رئيس وزراء جديد أولوية، بحسب المجلس الأطلسي، الذي قال إن ماكرون لا يتعرض لأي ضغوط قانونية لتسمية خليفة رئيس الوزراء غابرييل أتال، مما يمنحه الوقت لوضع استراتيجية لكيفية تشكيل حكومة مستقرة.

وفيما تجرى المفاوضات بالفعل، يتكهن البعض بأن ماكرون قد يسعى إلى تمديد الهدنة السياسية من خلال دورة الألعاب البارالمبية، التي تستمر حتى الثامن من سبتمبر/أيلول المقبل.

وعادة ما يختار الرئيس، رئيس وزراء من الحزب الذي لديه أكبر عدد من المقاعد في الجمعية الوطنية – حاليًا، ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة، إلا أنه مع ذلك، فإن تلك الجبهة، المكونة من خمسة أحزاب سياسية مختلفة، تواجه تحديات داخلية، خاصة مع وجود حزب فرنسا المتمردة اليساري على رأس السلطة.

واقترح الائتلاف لوسي كاستيتس كمرشحة مفضلة له، لكن حلفاء ماكرون وصفوا حزب فرنسا المتمردة بأنه «متطرفة» للغاية بحيث لا يمكنه الحكم. وقد زاد هذا الوضع من احتمالية أن يحاول ماكرون جذب بعض الاشتراكيين والخضر المعتدلين من الجبهة الشعبية الجديدة إلى كتلته الأكثر وسطية.

وبحسب «الأطلسي»، فإن من سيتولى منصب رئيس الوزراء سيواجه طريقا صعبا، بدءا من الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، عندما تستأنف الجمعية الوطنية أعمالها.

وتخضع ميزانية فرنسا لتدقيق شديد بعد أن أطلق المجلس الأوروبي إجراءات رسمية ضد نسبة العجز المرتفعة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وقد طلب المجلس من فرنسا تقديم خطط متوسطة الأجل بحلول سبتمبر/أيلول لإعادة مستويات العجز إلى مسارها الصحيح.

ويقول «الأطلسي»، إن إدارة هذه المخاوف المتعلقة بالميزانية أثناء العمل في برلمان معلق غير مسبوق ستكون مهمة شاقة بالنسبة لاختيار ماكرون.

ما التالي بالنسبة لماكرون؟

ورغم احتضانه للسباح الفرنسي الحائز على الميدالية الذهبية ليون مارشان والاستفادة من الروح الإيجابية التي أثارتها الألعاب الأولمبية، فسوف يجد ماكرون قريبًا أن النشوة الرياضية لا تدوم.

فبعد وقت قصير من فوز فريق كرة القدم الفرنسي للرجال بكأس العالم في عام 2018، سيطرت حركة «السترات الصفراء» على الشارع لمدة اثنين وخمسين أسبوعًا متتاليًا. ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كان عام 2024 سيشبه عام 2018، لكن ماكرون سيحاول بلا شك الحفاظ على روح الألعاب الأولمبية والبارالمبية حية لأطول فترة ممكنة.

وبحسب «الأطلسي»، فإن تقسيم العمل في السياسة الفرنسية يمنح ماكرون احتكارًا شبه كامل للسياسة الخارجية، لكن أجندته قد تتعقد بسبب البرلمان الفرنسي.

ويمكن أن تتعطل العديد من خطط ماكرون – خفض العجز في الميزانية من خلال خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب، والانتقال إلى الطاقة المتجددة، والحفاظ على موقف صارم تجاه روسيا – بسبب العقبات البيروقراطية التي يثيرها حزب الجبهة الوطنية أو حزب التجمع الوطني، فمارين لوبان من حزب التجمع الوطني بالفعل أوضحت أن أجندة ماكرون في الدفاع والسياسة الخارجية لن تسير في طريقها.

ماذا يعني هذا بالنسبة لأوروبا؟

مع مرور الأسابيع القليلة المقبلة في فرنسا، لن يراقب أحد المشهد السياسي الفرنسي بقلق أكثر من صناع السياسات في بروكسل الذين يعتمدون على الدعم الفرنسي.

ولقد حددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أجندة استراتيجية للاتحاد الأوروبي بأهداف طموحة تتعلق بالقدرة التنافسية والدفاع والطاقة النظيفة، ما يتطلب دعما قويا من فرنسا.

ولعل أهم ما تحمله الملحمة السياسية الفرنسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو تأثيرها على الدعم المقدم لأوكرانيا، فقد كان ماكرون من أشد المؤيدين لمساعدة كييف، لكن في المستقبل، يتوقف الحفاظ على مستوى عال من الدعم على قدرته على التعامل مع البرلمان المعلق.

وهناك عامل آخر في المعادلة يتمثل في جوردان بارديلا، رئيس حزب الجبهة الوطنية، الذي يتولى الآن قيادة مجموعة الوطنيين من أجل أوروبا اليمينية في البرلمان الأوروبي.

وقد برزت مجموعة الوطنيين من أجل أوروبا باعتبارها ثالث أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي وتحظى بدعم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

ورغم تعثر أقصى اليمين في الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية المبكرة، إلا أنه مع الزخم المتزايد الذي اكتسبته مجموعة الوطنيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي وأوربان كحليف قوي في المجلس الأوروبي، لا يزال لدى حزب الجبهة الوطنية القدرة على تعقيد الأجندة المؤيدة للاتحاد الأوروبي.

وبحسب المجلس الأطلسي، فإن ماكرون يستمتع بنجاح الألعاب الأوليمبية، لكن من غير المرجح أن يترجم هذا النجاح إلى مكاسب سياسية للرئيس أو يؤدي إلى تسويات في البرلمان الفرنسي.

وأشار إلى أن أكبر اختبارين للرئيس الفرنسي سيكونان تسمية رئيس وزراء ومعالجة اقتراح الميزانية للمجلس الأوروبي، متوقعا أن تظل السياسة الفرنسية متصدرة عناوين الأخبار في المستقبل المنظور، مما يؤدي إلى عواقب عميقة على كل من باريس وبروكسل.