امتلاك مزيد من الأسلحة النووية.. خيار أمريكي «اضطراري» لمواجهة الخصوم؟

مواجهة التهديدات النووية الجديدة، اختبار يطرق أبواب أمريكا التي يتعين عليها طمأنة الحلفاء بأن مظلتها النووية لا تزال تحميهم.

مواجهة التهديدات النووية الجديدة، اختبار يطرق أبواب أمريكا التي يتعين عليها طمأنة الحلفاء بأن مظلتها النووية لا تزال تحميهم.

اختبار يأتي وسط «تنافس جديد بين القوى النووية والقوى شبه النووية، أنهى حالة التهدئة النووية التي أعقبت الحرب الباردة»، بحسب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) التي حذرت خلال الشهر الجاري، من أن يتسبب ذلك في خلق نظام أكثر تعقيدًا وأصعب في التنبؤ به من المنافسة ثنائية القطب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، مما يجعلها أكثر خطورة.

ومع الإجهاد في مواردها وانعزالها السياسي، فإن مواجهة التهديدات النووية الجديدة ستكون اختبارًا لأمريكا التي يتعين عليها طمأنة الحلفاء بأن مظلتها النووية لا تزال تحميهم، وسيكون على واشنطن توسيع ترسانتها النووية، وفقا لما ذكرته مجلة «الإيكونوميست».

وتتضح المخاطر الجديدة في كل مكان؛ فالصين تبني مئات من صوامع الصواريخ في صحاريها الشمالية، فيما تهدد روسيا بإطلاق الصواريخ إلى أوروبا.

وباتت إيران أقرب إلى القنبلة النووية مما كانت عليه قبل خمس سنوات، في ضوء التقارير التي تشير إلى إحراز طهران تقدما في عملية تحويل اليورانيوم المخصب إلى رؤوس حربية، فيما قالت كوريا الشمالية إنها «تعزز» برنامجها النووي.

وقبل أيام، قال الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة دونالد ترامب إنه سيبني درعا صاروخية من طراز «القبة الحديدية» لحماية الولايات المتحدة.

تحول كبير

وتشكل هذه الأمور تحولا كبيرا؛ ففي الفترة بين عامي 1986 و2023 انخفض عدد الرؤوس الحربية في جميع أنحاء العالم من 70 ألف رأس إلى 12 ألفًا، حيث أدت نهاية الحرب الباردة إلى خفض الإنفاق الدفاعي والحد من التسلح.

وقلصت الولايات المتحدة ترسانتها، لكنها احتفظت برادع قوي من خلال “ثالوث” أصغر من الأسلحة النووية التي يمكن إطلاقها من البر أو الجو أو تحت البحر.

والعديد من الرؤوس الحربية الأمريكية موجه إلى رؤوس خصومها الحربية مما يحقق “ردعاً ممتداً” يرتبط بوعود واشنطن الدفاع عن الحلفاء إذا لزم الأمر.

وحتى عام 2009، كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يأمل في “عالم خال من الأسلحة النووية” وعندما أصبح رئيساً، تطلع جو بايدن إلى إعادة تنشيط ضبط الأسلحة بعد الفوضى التي أحدثتها إدارة سلفه ترامب.

لكن التهديدات النووية انتشرت وتزايد عدد الرؤوس الحربية مرة أخرى، مع توسع ترسانة الصين التي كان لديها بضع مئات فقط من الصواريخ قبل 10 سنوات إلى نحو 1000 صاروخ بحلول عام 2035؛ الأمر الذي يعني ظهور قوة عظمى نووية ثالثة لأول مرة.

وفي الوقت نفسه، تنتشر التكنولوجيا في مجالات جديدة وتخطط روسيا لوضع قنبلة في الفضاء وبإمكان الرؤوس الحربية الكورية الشمالية أن تصل إلى الولايات المتحدة.

هل تمتلك أمريكا رادعا كافيا؟

ويخشى البنتاغون أن تؤدي هذه الأمور إلى استنزاف ترسانة الولايات المتحدة، وسط التساؤلات حول امتلاك واشنطن ما يكفي من الرؤوس الحربية لردع الصين وروسيا وكوريا الشمالية في الوقت نفسه.

وعلى سبيل المثال، عندما أخضعت أمريكا كوريا الجنوبية لأول مرة تحت مظلتها النووية، لم يكن لدى جارتها الشمالية أسلحة نووية ولا صواريخ بعيدة المدى، لكنها الآن لديها صواريخ نووية قادرة على حرق مدن أمريكية.

لكن الأمل في أن تتمكن القبة الحديدية، مثل المستخدمة في إسرائيل وأوكرانيا، من حماية أمريكا هو أمل في غير محله لأنها تعمل بشكل أقل فعالية ضد الصواريخ بعيدة المدى. وأيا كان الرئيس الأمريكي فإن السؤال: هل يضحي بلوس أنجلوس للانتقام لسول؟ وهل يعتقد الأعداء أنه سيفعل ذلك؟

في المقابل، يواجه الحلفاء أيضا أسئلة صعبة لأنهم يعرفون أن الشعبوية الانعزالية لن تختفي في الولايات المتحدة أيا كان الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويدركون -كذلك- أن القوات الأمريكية منهكة وأن تعهدها بالردع أصبح أقل مصداقية مما كان عليه، بحسب «الإيكونوموست».

ولقد توقفت محادثات الحد من الأسلحة وعلقت روسيا مشاركتها في معاهدة ستارت الجديدة، التي تنتهي عام 2026 ولم تكن الصين مهتمة بالمحادثات مع الولايات المتحدة حول الحد من المخاطر النووية وأوقفتها في يوليو/تموز الماضي، في حين رفضت كوريا الشمالية عروضاً للمحادثات أما إيران فهي متقلبة.

ولن يكون من الحكمة أن تتخلى واشنطن عن الحد من الأسلحة، لكن عودة هذه الدول إلى طاولة المفاوضات لن يتحقق إلا إذا تأكدوا أن الولايات المتحدة في موقف قوي. إلا أن عدم الاتفاق بين الحزبين بشأن الردع الموسع يخلق حالة من عدم اليقين.

وكان بايدن قد سعى إلى طمأنة الحلفاء من خلال إرسال المزيد من القاذفات والغواصات القادرة على حمل رؤوس نووية إلى أوروبا وآسيا، إضافة إلى التشاور معهم حتى يفهموا كيف يمكن استخدام الأسلحة ويشعروا بالثقة في أن وعود أمريكا ليست فارغة.

هذه السياسة قد يزعم ترامب وبعض الجمهوريين أنها ليست ضرورية لحماية الولايات المتحدة وهذا خطأ؛ لأن الردع الموسع ضروري ويخدم المصالح الذاتية الضيقة لواشنطن.

وقد ساعد منطق واشنطن بأن تجعل وطنها أكثر عرضة للخطر لحماية حلفائها على تجنب الانتشار النووي المزعزع للاستقرار، كما حافظ على أمن أمريكا، وربما حتى خصومها، لمدة ثمانين عاماً.