القران الكريم يحاور العقل الباطن للإنسان

تُعد معرفة الطريقة التي يحاور بها القرآن الكريم العقل الباطن للإنسان من أسمى الطرق التي يسعى المسلمون لمعرفتها وذلك لأن القرآن الكريم إحتوى على كل ما يهم الناس في علوم حياتهم ودينهم، فالله كرم الإنسان على سائر المخلوقات ووضح له المنهاج القويم لحياة سليمة، وفيما يلي سنتعرف على طرق مخاطبة القرآن للعقل الباطن للإنسان.

القرآن الكريم

فالقرآن الكريم هو كلامُ الله المُعجز المُنزّل على النبيّ المُصطفى-صلى الله عليه وسلّم- المُتعبّد بتلاوته المنقول بالتّواتُر، وهو الكلام الذي فاق كل بيان، وأعجز الجنّ والإنس على الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا، فقد أيّد الله -تعالى- كُلّ نبيٍّ بمُعجزةٍ من جنس ما برع فيه القوم، والعرب كانوا أهل فصاحة وبلاغةٍ وبيانٍ، فقد كان الولد منهم يُولد يتكلّم الفُصحى فتحدّاهم القُرآن أن يأتوا بمثله؛ فعجزوا عن الإتيان بذلك، فتحدّاهم أن يأتوا بعشر سور مثله ولو حتّى مُفترياتٍ؛ فعجزوا عن ذلك، فتحدّاهم أن يأتوا بسورة من مثله؛ فعجزوا، وكان بعضهم يقول: إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمُغدق، وإذا كان هذا حال أرباب الفصاحة والبيان مع القرآن، فما بالُك بغيرهم من الأقوام التي لا ترقى فصاحتهم لفصاحتهم.

ما طريقة القرآن الكريم في مخاطبة الفطرة البشرية

لقد انتهج القرآن الكريم نهجاً خاصاً في مخاطبة العقل الباطن للبشرية، واعتمدت هذا النهج على استثارة الفطرة وتذكيرها بخالقها جل في علاه، فالفطرة البشرية مهيأة لذلك فقد خُلقت على الطهارة والنظافة من كل ما يدنسها، والمرء هو الذي يوجهها وإما يرقى بها من الدنس والشوائب، أو يغمسها في وحل الشهوات والرذائل فتضيع في غيابات الشهوات، فالفطرة البشرية مزودة ببصيرة أخلاقية تجعلها تستجيب حين يدعوها القران إلى أصل من أصول الإسلام، أو يُرغبها في الفضائل أو يُرهبها من الرذائل، فقد قال جل في علاه (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) لذلك فدعوة المسلمين في كل صلاة الهداية (اهدنا الصّراط المُستقيم) ، فالصراط المستقيم هو طريق الحق المستقيم الذي يسعى المرء أن يسلكه وأن يوفقه الله إليه

فالفطرة السليمة لا تشك في وجود الخالق جل في علاه (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)

والقرآن الكريم حث الإنسان على إعمال عقله ليرى الأمور من منظورها الصحيح ويفكر في الحقائق فقال الله تعالى مبيننا ضعف عقول المشركين (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ) وقال تعالى داعيا الإنسان إلى التفكر في هذه الظاهرة الواضحة التى لا مفر منها (وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) ومن طرق القرأن أن يبدأ بالحجج المنطقية التي تخاطب العقل ومن ثم يتدرج على التبشير والإنذار والوعيد وبيان فساد ما عليه الكفار وأهل الباطل، فقد قال الله على لسان سيدنا إبراهيم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا  قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)

وإذا كانت هذه البراهين والحجج العقلية لا تنفع مع بعض الناس فإن القران الكريم يقول لهم: انتظروا المستقبل لتروا بأعينكم النتائج والمصير، وستعلمون عندئذ الحقائق(قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِىِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ)  وقال تعالى حاكيا قول الكفار ورادّاً عليهم (أأنزل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ) أي لو ذاقوه لتحققوا أن هذه الرسالة حق، أي هم لجهالتهم لا يستعلمون النظر ولا يستفيدون منه، ولكن يتضح لهم الحق عند مباشرة العذاب

وقد يستعمل القران أسلوب الرجوع إلى التاريخ ومعرفة مصير الأمم السابقة ليكون ذلك مثار التأمل والعبرة وأن السنن واحدة لا تتبدل، فما حصل سابقا يمكن أن يحصل لاحقا، (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ(