اقتحام بن غفير للأقصى.. حرك الأغلبية اليهودية «الصامتة» وهزّ عرش نتنياهو

ردود فعل غاضبة من «الاقتحام الاستفزازي» لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى لم تتوقف على الدول العربية بل طالت الأحزاب الدينية اليهودية.

وللمرة الأولى منذ بدء الاقتحامات الاستفزازية للمسجد عقب قرار أحادي من الشرطة الإسرائيلية عام 2003 بدأت تتضح ملامح تحرك علماني-ديني يهودي لوقف الاقتحامات من أصلها.

بل وبات الاقتحام الاستفزازي الأضخم اليوم والذي تم خلاله أداء صلوات وطقوس تلمودية يهدد حتى بإمكانية إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو.

وربما استشعر نتنياهو نفسه بأن ما قام به بن غفير وأنصاره اليوم قد تخطى الخطوط الحمراء بإعلانه في بيان صدر عن مكتبه “الأحداث هذا الصباح في جبل الهيكل (أي المسجد الأقصى) تمثل انحرافًا عن اتفاق الوضع القائم”.

ولم يسبق أن استخدم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي هكذا تعبير في إشارة إلى انتهاكات إسرائيلية رغم ارتفاع وتيرتها منذ أن بدأت الاقتحامات بقرار من الشرطة الإسرائيلية عام 2003.

فقد برزت على السطح لأول مرة الخلافات ما بين الأغلبية اليهودية الصامتة الملتزمة بالفتوى الدينية “الهالاخاه” الصادرة عن حاخام إسرائيل الأكبر بمنع اقتحام المسجد الأقصى وبين الأقلية المتطرفة التي لا تلتزم بهذه الفتوى.

صراع أظهره للعلن اليوم الثلاثاء النائب من حزب “يهدوت هتوراه” الحاخام موشيه غافني عبر منصة “إكس” بقوله: ” إن المس بقدسية جبل الهيكل (المسجد الأقصى) والوضع الراهن لا يهم الوزير بن غفير، الذي يتعارض مع رجال إسرائيل العظماء وكبار الحاخامات منذ أجيال”.

وأضاف زعيم حزب “يهدوت هتوراه”: “الضرر الذي يسببه للشعب اليهودي أمر عظيم للغاية، وسيتعين علينا أن نتحقق مما إذا كان بإمكاننا أن نكون شركاء معه (بن غفير) في الحكومة”.

وحال انسحاب حزب “يهدوت هتوراه” الديني الذي لديه 7 مقاعد بالكنيست، من الحكومة فإن هذا سيعني حتما سقوطها ما يظهر حجم الضرر الذي سيلحق بنتنياهو حال تنفيذ التهديد.

ومن ناحيته فإن حزب “شاس” الديني عبر أيضا عن موقف معارض لاقتحام بن غفير وأنصاره دون الوصول الى حد التهديد بالانسحاب من الحكومة.

فقد قال وزير الشؤون الدينية الحاخام ميخائيل مالكئيلي، من حزب “شاس” في بيان: “لقد حكم حاخامات الأجيال ومعهم كبار حاخامات إسرائيل لأجيالهم على جوهر منع الحج إلى جبل الهيكل (المسجد الأقصى)”.

واعتبر خروج بن غفير عن هذه الفتوى الدينية بأنه “استفزاز غير ضروري وغير مسؤول لأمم العالم”.

ما هي الفتوى؟

في طريق باب المغاربة إلى المسجد الأقصى الذي يمر منه المقتحمون تظهر لافتة باللغتين العبرية والإنجليزية كتب عليها “إعلان وتحذير: وفقا لقانون التوراة، الدخول إلى منطقة جبل الهيكل ممنوع بالمطلق بسبب قدسية المكان” التوقيع حاخام إسرائيل الأكبر.

وتلتزم الغالبية العظمى من اليهود بهذا القرار إلا فئة من عدة آلاف من اليهود تعتقد أنه يجب السيطرة على المسجد الأقصى بداية بالاقتحامات ومن ثم أداء الصلوات في ساحاته وصولا إلى إقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى.

وتحظى هذه الفئة بالدعم من وزير الأمن القومي ورئيس حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الذي يسيطر أيضا على الشرطة.

فبعد أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية، بما فيها المسجد الأقصى، عام 1967 أعلنت الحاخامية الكبرى لإسرائيل أن دخول منطقة المسجد محظور على اليهود.

الحاخامات ينظرون إلى منطقة المسجد بأنها “منطقة قدس الأقداس” وأنه “نظرًا لأن الموقع الدقيق للهيكل الثاني غير معروف، فإن أي يهودي يمشي عبر الموقع سيكون معرضًا لخطر جسيم من أن يدوس عن غير قصد على أرض قدس الأقداس بالخطأ”.

ويعتبر كبار رجال الدين اليهودي أن الدخول الى المكان يتطلب الطهارة المطلقة وهو ما لا يتوفر حاليا.

وعلى ذلك فيتفق جميع اليهود بأن المسجد الأقصى مقام حيث يتوجب أن يقام الهيكل ولكنهم يختلفون بشأن تحريم أو عدم تحريم دخوله.

وتتفق الأغلبية المطلقة من اليهود مع الفتوى الدينية “الهالاخاه” بأن دخوله محرم فيما أن مجموعة دينية قومية تعتبر إن اقتحامه واجب.

هل يصدر قانون بمنع اقتحام المسجد؟

غالبا ما يختلف زعيم المعارضة الإسرائيلية “العلماني” ورئيس حزب “هناك مستقبل” يائير لابيد مع زعيم حزب “شاس” الديني الحاخام آرييه درعي في الكثير من الأمور ولكن جمعهما بن غفير.

وقالت القناة الإخبارية 12 الإسرائيلية إن اقتحام بن غفير تسبب بتعاون “مفاجئ” بين لابيد ودرعي.

وأشارت إلى أن اللقاء عقد للمرة الأولى منذ 10 سنوات وتم خلاله بحث وضع فتوى دينية “هالاخاه” كتبها الزعيم المؤسس لحزب “شاس” الحاخام عوفاديا يوسيف بمنع اقتحام اليهود للمسجد الأقصى.

وقالت: “تحدث زعيم المعارضة يائير لابيد ورئيس حزب “شاس” أرييه درعي في الأيام الأخيرة للمرة الأولى منذ 10 سنوات وذلك على خلفية تعاون محتمل ومفاجئ بين “هناك مستقبل” و”شاس” في اقتراح أجندة من شأنها أن تتبنى حكم “هالاخا” من قبل الحاخام عوفاديا يوسف، والذي بموجبه يحظر على اليهود دخول الحرم”.

وأضافت: “يأتي هذا التعاون في أعقاب التوترات بين إيتمار بن غفير والمتدينين في الحكومة في أعقاب زيارة وزير الأمن القومي إلى الحرم القدسي”.

وكشفت النقاب أنه “في محادثة بين السياسيين المتنافسين، جرت بعد سنوات من الانفصال، تم الاتفاق على أن آرييه درعي سيدعم اقتراح “هناك مستقبل”، الذي سيتم طرحه فقط بعد العطلة، في جلسة الكنيست المقبلة (شهر أكتوبر/تشرين الأول)”.

وقالت: “مقترح جدول الأعمال هو آلية يصوت بها الكنيست على قضية معينة بطريقة إعلانية، وفي الآونة الأخيرة، صوت الكنيست بهذه الطريقة المعلنة لمعارضة إقامة دولة فلسطينية”.

وذكرت أنه “يدين السياسيون الحريديم علنا مرارا وتكرارا سياسة بن غفير المعلنة في الحرم القدسي والانتهاك المستمر للوضع الراهن، ومرة أخرى أدان السياسيون المتدينون بشدة تصرفات الوزير اليوم”.