إيران و«الإشارات الرمادية».. جزء من «الانتقام» أم «فخ وعود»؟

على مدار أسبوعين توعدت إيران وحزب الله بـ«الانتقام» من إسرائيل، لكن رسائلهما بدت غامضة حول موعد وشكل الهجوم.

مزاج مظلم يهيمن على العاصمة اللبنانية بيروت منذ اغتيال إسرائيل للقائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر بمنطقة الضاحية الجنوبية، ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران.

هذه الاغتيالات ضاعفت المخاوف المتغلغلة في بيروت منذ أشهر من انزلاق لبنان إلى حرب إقليمية واسعة، وفقا لشبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية.

ونقلت الشبكة عن أحد الزعماء السياسيين الغاضبين المرتبطين بالحزب قوله “هل تعتقد أنني أجلس في غرفة حرب حزب الله؟.. ليس لدي أي فكرة عما سيحدث بعد ذلك.. ربما تعرف أكثر مما أعرف”.

تصريحات مشابهة أطلقها مسؤولون آخرون على اتصال بإيران وحزب الله، أكدوا لـ”سي إن إن” أنهم لا يعرفون كيف قد تنفذ طهران ووكلاؤها “الانتقام الشديد” الذي وعد به كبار مسؤوليها العسكريين، والمرشد الأعلى علي خامنئي.

وسبق أن قالت إسرائيل إن اغتيال شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت جاء ردا على هجوم صاروخي قتل 12 طفلا في بلدة مجدل شمس بالجولان، حيث اتهمت تل أبيب حزب الله بالوقوف وراء الهجوم وهو ما نفاه الحزب بشدة.

ومنذ اغتيال شكر، شدد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في خطاباته التلفزيونية، على أن الرد على هجوم الضاحية “لا مفر منه”، واعتبر أن الجهود الغربية لمنع انتقام الحزب “غير مجدية”، ومع ذلك لم يقدم أي تفاصيل.

وقال نصر الله: “قد نتحرك بمفردنا، أو قد نتحرك مع المحور”، في إشارة إلى تحالف إيران ووكلائها في العراق وسوريا واليمن والذي وصفه بعض المعلقين الإسرائيليين بأنه “حلقة نار” حول إسرائيل.

فرغم أنه لا يضاهي القوة العسكرية لتل أبيب إلا أنه يتمتع بعمق استراتيجي يخلق حالة من التوتر في إسرائيل انتظارا لرد حزب الله وإيران.

مقصود أم فخ؟

يبدو أن غموض رسائل إيران وحزب الله أمر مقصود تماشيا مع ترويج نصر الله وأنصاره لـ”الحرب النفسية” وفوائدها مع استعداد إسرائيل للهجوم دون معرفة موعده أو الشكل الذي قد يتخذه.

ومع ذلك، فهناك العديد من المؤشرات على أن طهران تتباطأ وقد تحجم عن الرد بسبب احتمال إشعال حرب أوسع نطاقًا.

وأعرب أحد الدبلوماسيين عن اعتقاده بأن حزب الله وإيران “أوقعا نفسيهما في فخ” وعود الانتقام، فيما اقترح البعض أن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار خلال محادثات الدوحة قد يكون بمثابة مخرج لهما إلا أن طهران رفضت ذلك.

ومن الصعب التنبؤ بعواقب أي هجوم انتقامي وهو ما يضع إيران وحزب الله في معضلة تحتاج إلى حل حيث يتطلع الطرفان لإحداث تأثير كاف لردع أي هجمات إسرائيلية مستقبلية على بيروت وطهران، لكن دون إشعال حرب شاملة.

وقد يكون حل هذه المعضلة أمرا مستحيلاً في ضوء وجهة النظر المنتشرة على نطاق واسع بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيستمر في الحرب لإبقاء مشاكله الداخلية المتزايدة تحت السيطرة، وهو ما يجعل إيران ووكلاءها وحتى المجتمع الدولي عاجزين عن إيقاف تل أبيب.

ومن المحتمل أن تكون إيران قد تصالحت هي وحزب الله مع هذه النظرية، مع إدراكهما أن الرسائل المفتوحة حول الرد المتوقع قد تكون أقوى سلاح تحت تصرفهما.

ناقوس خطر

على مدار الأسبوعين الماضيين، أطلق المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون أكثر من مرة ناقوس الخطر بشأن رد وشيك.

لكن الرد لم يحدث ما يعد تناقضًا صارخًا مع آخر مرة كانت فيها المنطقة على شفا حرب شاملة في أبريل/نيسان الماضي عندما أطلقت إيران مسيرات وصواريخ باتجاه إسرائيل ردا على استهداف تل أبيب قنصليتها في دمشق.

وفي الأيام التي سبقت ذلك الهجوم، كان لدى الدبلوماسيين والمسؤولين المقربين من حزب الله فكرة تقريبية عن شكل الرد الإيران، حيث قالوا لـ”سي إن إن” إنه سيكون استعراضا محسوبا للقوة بهدف إحداث أضرار محدودة للغاية كما كانت تقديراتهم بشأن الإطار الزمني دقيقة إلى حد كبير.

وفي ذلك الوقت، كانت إيران ترسل برقيات عن تحركاتها القادمة من خلال حلفائها في المنطقة وهو أمر لا دليل على حدوثه هذه الأيام.

وقال محمد علي شعباني، المحلل الإيراني ورئيس تحرير “أمواج ميديا”، وهي وسيلة إعلامية إلكترونية: “من المؤكد أن هذا التأخير له طابع الحرب النفسية.. لكن بينما تحاولون إبقاء الإسرائيليين في حالة تخمين، فإنكم أيضاً تجعلون اللبنانيين والإيرانيين في حالة تأهب”.

اعتراف

وعلى نحو غير معتاد، اعترف نصر الله في خطابه الأخير بأن اغتيال شكر وهنية يعد “نجاحاً حققته إسرائيل”. ويأتي هذا التصريح في إطار شعور بالفشل ملموس في لبنان وإيران.

ففي طهران، جاء اغتيال هنية بعد يوم من تنصيب الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان الذي قال محللون غربيون إن انتخابه قد يعالج الخلافات مع الغرب لكن استهداف هنية أضعف هذه الآمال.

وفي بيروت، عادة ما يكون موسم الصيف نعمة للاقتصاد المتعثر، لكن العائلات اللبنانية الخائفة تبقى في المنازل مع اختراق الطائرات الإسرائيلية المتكرر لجدار الصوت.