أمريكا وإيران.. خطوات «خاطئة» قادت الشرق الأوسط لحافة الهاوية

مع تزايد احتمال شن هجوم إيراني على إسرائيل، يواجه المسؤولون في واشنطن وطهران تصعيداً محتملاً ينطوي على مخاطر كبرى لكلا الجانبين.

تصعيد قد يحمل بين طياته ضربات قد تتجاوز ما أطلقته إيران 300 صاروخ وطائرة بدون طيار على إسرائيل في أبريل/نيسان، تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منعه، في أكبر اختبار حتى الآن لجهودها المستمرة منذ ما يقرب من أربع سنوات لاحتواء النظام.

وتدرس طهران، التي تفضل استخدام وكلاء ضد خصومها، ما إذا كانت سترد بشكل مباشر مرة أخرى، حتى مع خطر اندلاع حرب أوسع نطاقا، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال».

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن المخاطر بالنسبة لواشنطن وطهران كبيرة: فمن شأن أي هجوم إيراني كبير يستفز رد فعل إسرائيلي آخر أن ينتكس آمال الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وقد يكشف عن نقاط ضعف إيران، مما يضعف مكانتها كقوة إقليمية.

حذرت الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة طهران بشكل مباشر وكذلك عبر وسطاء من أن أي هجوم انتقامي كبير على إسرائيل قد يشكل خطرا جسيما على الحكومة والاقتصاد الإيراني.

لم يكن من المقرر أن تجد الولايات المتحدة أو إيران نفسيهما في مثل هذا الموقف، ولكن ليس أمامهما الآن خيار سوى التعثر في هذا الموقف والأمل في ألا يكون الصراع الشامل هو النتيجة النهائية. وتتوقع واشنطن هجوماً على إسرائيل في أقرب وقت ممكن هذا الأسبوع، رغم أن الولايات المتحدة غير متأكدة من شكل ونطاق هذا الهجوم.

وعن الهجوم الإيراني المتوقع، قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: «نحن لا نعرف حقا ما إذا كانوا سيفعلون ذلك، ومتى سيفعلونه، وبأي قوة سيفعلونه. ليس لدينا إجابات قاطعة لكل ذلك في الوقت الحالي. لكننا نعتقد أن هجوما من نوع ما قد يأتي قريبا جدا ومن دون سابق إنذار».

ولقد أثار الهجوم الذي وقع في طهران وأسفر عن مقتل زعيم حركة حماس، والذي ألقت إيران باللوم فيه على إسرائيل، تعهدات بالانتقام السريع.

فيما أشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أنه يتعاون مع البيت الأبيض لتهدئة التوترات، ووافق على الانضمام إلى محادثات وقف إطلاق النار التي تنظمها الولايات المتحدة والتي تعقد اليوم الخميس. لكنه هدد أيضًا بالرد بقسوة على أي هجوم من إيران. ولم تستبعد إسرائيل شن هجوم على جنوب لبنان إذا شن حزب الله هجومًا.

وقال الرئيس بايدن للصحفيين يوم الثلاثاء إنه يتوقع أن تمتنع إيران عن شن ضربات إذا توصل الطرفان إلى اتفاق، لكنه أقر بأن «التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أصبح أكثر صعوبة»، وهو التقييم الذي يأتي في الوقت الذي يسافر فيه مسؤولون أمريكيون إلى قطر لإجراء جولة أخرى من الدبلوماسية.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير يوم الأربعاء، إن الولايات المتحدة تتوقع «أن تمضي هذه المحادثات قدما كما هو مخطط لها».

وفي إشارة إلى استمرار تعنت «حماس»، قالت إنها لن تحضر المفاوضات هذا الأسبوع. وستشارك إسرائيل، لكن نتنياهو أبدى القليل من الاستعداد لإبرام صفقة في الأشهر الأخيرة.

ويعترف المسؤولون الأمريكيون، بأن باب الصفقة الكبرى يغلق، مما دفع إدارة بايدن إلى وضع «اقتراح جسر» أخير، يهدف إلى حل الخلافات بين حماس وإسرائيل بشأن اتفاق وقف إطلاق النار.

وتقول داليا داسا كاي، الخبيرة في شؤون الأمن في الشرق الأوسط في مركز بيركل للعلاقات الدولية التابع لجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إنه «بدون وقف إطلاق النار، من الصعب أن نرى الإيرانيين، أو حزب الله في هذا الشأن، يتراجعون».

مسارات محتملة

ويقول المسؤولون والمحللون الأمريكيون إن طهران لديها عدة مسارات محتملة، وكلها محفوفة بالمخاطر، فالتراجع سيجعل النظام يبدو ضعيفا، فيما شن هجوم ضخم، يخاطر بتوسيع نطاق القتال.

ويشتبه بعض المراقبين في أن إيران ربما تحاول فتح باب آخر: من خلال تأخير المحادثات إلى ما بعد وقف إطلاق النار، بحيث تتمكن طهران، إذا تم التوصل إلى اتفاق، من الادعاء بأن تهديداتها أدت إلى تحقيق السلام في المنطقة.

وقال كاي: «لا شك أن هناك نقاشا حادا داخل القيادة الإيرانية حول كيفية الرد لأن أيا من خياراتها لا يبدو جيدا».

ودخل بايدن منصبه على أمل احتواء إيران من خلال إحياء الاتفاق النووي وبناء مجموعة جديدة من الحلفاء الإقليميين لـ«إحباط اعتداءاتها»، إلا أنه بدلاً من ذلك، شاهدت واشنطن طهران وهي تقترب من إعادة إطلاق برنامجها النووي، و«دعمت وكلاء قتلوا ثلاثة جنود أمريكيين وعطلوا التجارة العالمية، ودعمت العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا».

كان التحول الأكبر الذي شهدته إيران هو نقل حرب الظل التي تخوضها مع إسرائيل إلى الضوء؛ فبعد أن قتلت إسرائيل في أبريل/نيسان ضباطاً عسكريين إيرانيين كباراً في سوريا، تجنبت إيران اتباع القواعد المعتادة ــ نشر وكلاء لتوجيه ضربة مضادة، الأمر الذي أعطى طهران حجاباً رقيقاً من القدرة على الإنكار.

ولقد اختارت إيران بدلاً من ذلك «إطلاق الأسلحة على عدوها مباشرة من أراضيها لأول مرة منذ وصول النظام إلى السلطة في عام 1979».

وبعد مقتل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في دار ضيافة تابعة للحرس الثوري الإيراني في يوليو/تموز الماضي بعد ساعات من تنصيب رئيسها الجديد في إيران، بدأ الوقت يدق بشأن كيفية رد طهران على هذا الهجوم.

كيف سترد؟

وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط: «لقد وضعوا أنفسهم في موقف يفرض عليهم القيام بشيء ما، وهذه المرة كان عليهم أن يكونوا أكثر تأثيراً دون خلق جولة أخرى من الأعمال الانتقامية من قبل الإسرائيليين».

وإلى جانب التنسيق مع الشركاء الأوروبيين والشرق الأوسطيين، أرسل المسؤولون الأمريكيون اتصالات مباشرة وغير مباشرة لإعلام إيران بأن واشنطن لا تريد حربا أوسع نطاقا. وقال المسؤول الكبير في الإدارة الأمريكية: «نعلم أنهم ينتبهون إلى رسائلنا، ولا نعرف ما إذا كان ذلك يغير رأيهم».

هذا الأمر يجعل الإدارة الأمريكية متوترة، فقد تذبذب المسؤولون العسكريون الأمريكيون بين الخوف من رد فعل إيراني أكبر من وابل أبريل/نيسان، وبين عدم استجابة طهران على الإطلاق. ويستند هذا التردد جزئيا إلى الموقف العسكري الإيراني، الذي «لا يبدو بالتأكيد كما كان قبل 13 أبريل/نيسان»، كما قال مسؤول دفاعي يوم الخميس.

وفي هذا الشهر، أرسلت الولايات المتحدة سربًا من طائرات إف-22 رابتور إلى المنطقة. وقال مسؤولون دفاعيون أمريكيون إن مجموعة حاملة الطائرات يو إس إس إبراهام لينكولن تتحرك من منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط، حيث ستصل في الأسابيع المقبلة. وتحمل لينكولن مقاتلات إف-35 وستتداخل مع يو إس إس ثيودور روزفلت، التي تعمل حاليًا قبالة خليج عدن.

هل ستنجح هذه الاستعدادات؟

ومن غير الواضح ما إذا كانت أي من هذه التحركات التي اتخذتها إدارة بايدن ستنجح على النحو المنشود.

وقالت دانا سترول، التي تركت منصبها العام الماضي كأعلى مسؤول مدني في البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط، إنه «من غير المرجح أن توقف إيران سلوكها العدواني لأن النظام لا يعتقد أن أمنه في خطر».

وأشارت إلى أن «إيران، من خلال المبالغة في إرسال رسائل حول الرغبة في منع الحرب الشاملة، فسرت ذلك على أنه افتقار أمريكي إلى الإرادة لاتخاذ إجراء هجومي».